وعلى الوفود التي ترسلها القبائل إلى الملوك أو الرسل الذين يرسلهم سادات القبائل بعضهم إلى بعض. وطالما نقرأ في كتب أهل الأخبار جملًا مثل: "لولا أنك رسول لقتلناك"، تشير إلى احترام العرب لرسالة الرسل والموفدين. وقد كان بعض الرسل يسيئون الأدب أو لا يحسنون التصرف مع من أرسلوا إليه، فيثيرونهم، ومع ذلك، فإن من يهاج منهم يحاول جهد إمكانه ضبط نفسه، والتحكم في أعصابه، حتى لا يتهور على الرسول، فيتهم بسوء الأدب بإهانته ضيفًا، أو يتهم بالغدر. وإذا كان بعضهم قد غدر بالرسل، فإن هذا الغدر لا يمثل العرف العام، وإنما هو غدر، والغدر لؤم، وقد يقع اللؤم من لئيم.

ولفظة "رسول" والجمع "رسل" هي من الألفاظ العربية القديمة المستعملة في عالم السياسة عند العرب. وردت في نص "أبرهة"، الذي أشار فيه إلى وفود أتت إليه من مأرب لتهنئته بمناسبة إتمامه سد "مأرب"، فكان من بينهم رسل النجاشي وملك الروم وملك الفرس وملك الحيرة "المنذر" وملك الغساسنة "الحارث بن جبلة" و"أبو كرب بن جبلة"1. وفي هذا النص ملاحظة مهمة جدًّا جديرة بالعناية إذا أطلق هذا النص على مندوب النجاشي وملك الروم لفظة "محشكت" أما رسل الملوك العرب المذكورين فقد أطلق عليهم اللفظة العربية "رسل". أي: أنه استعمل ثلاثة مصطلحات سياسية في هذا النص لمفهوم واحد، هو رسل أرسلوا من ساداتهم لحضور ذلك الاحتفال.

وقد يذهب الظن إلى أن النص إنما استعمل تلك المصطلحات الثلاثة، لأنها مصطلحات للغات أولئك الموفدين، فاستعمل لفظة "محشكت" لأن الحبش كانوا يطلقونها على معنى "رسول" في لغتهم وهذا كلام معقول، ولكن ما باله أطلق تلك اللفظة على رسول ملك الروم أيضًا مع أنها كلمة غريبة عن اليونانية لم يستعملها اليونان، ولم يستعمل النص المصطلح الرسمي اليوناني المستعمل في اليونانية للسفير؟

ثم ما بال النص يطلق لفظة "تنبلت" على رسول ملك الفرس، واللفظة أيضًا غير فارسية وغير مستعملة عند الساسانيين؟ أفلا يدل ذلك على أن النص لم يأخذ بالمصطلحات السياسية المقررة عند الحبش والروم والفرس للسفير، وإنما أخذ بشيء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015