وقد يكون الرسول المرسل إلى بلاد العرب لا يعرف العربية، فيكون من الضروري إرسال مترجم معه يتقن العربية، ليقوم بأعمال الترجمة. وقد دونت الموارد اليونانية أسماء بعض الرسل الذين أرسلهم ملوك البيزنطيين إلى اليمن أو إلى الغساسنة أو المناذرة، للقيام بمهمات خاصة، ولإجراء مفاوضات في أمور تتعلق بالمصالح اليونانية العربية، وقد نصوا أيضًا على أسماء بعض المترجمين الذين رافقوهم إلى ملوك العرب أو إلى سادات القبائل. ويظهر أنهم كانوا يختارونهم من رجال الدين النصارى الذين كانت لهم صلات وعلاقات وثيقة بالعرب، ومنهم من كان من أصل عربي.

وكان من عادة سادات القبائل والملوك العرب، أنهم إذا أرادوا إرسال ممثل عنهم إلى الحكام الأجانب، لمفاوضاتهم في أمور تخصهم، اختاروا من عرف بالذكاء والشيطنة من أتباعهم للقيام بهذه المهمات التي تحتاج إلى ذكاء ولباقة وحسن تصرف. وهم في هذا الباب مثل غيرهم يراعون أن يكون رسولهم ممن يتقنون لغة من سيرسل إليه، وأن يكون من خواصهم ومن أتباعهم، حتى لا يبوح بأسرار مهمته لأعدائهم. وأما إذا تعذر هذا الشرط، فكانوا يختارون مترجمين ثقات عربًا أو عجمًا لمرافقة الرسول، وللتكلم بلسانه، ولنقل ما يقوله الأعاجم للرسول. ونجد في الموارد اليونانية أن عرب بلاد الشام، أرسلوا رجال دين عنهم إلى حكام بلاد الشام أو إلى القسطنطينية لمفاوضة الروم في المهمات التي كانوا يكلفون بها. ويظهر أنهم إنما لجأوا إلى هؤلاء، لأنهم كانوا يتقنون اليونانية ولأنهم نصارى، والروم نصارى كذلك، ولبعضهم صلات برجال الكنيسة في القسطنطينية، فيساعد الدين في تسهيل حل المشكلات.

وقد يذهب ملك عربي أو سيد قبيلة لزيارة الحكام الأعاجم في مواضع حكمهم، أو في أماكن أخرى يتفقون عليها. فإذا لم يكن متقنًا ذلك الملك أو سيد القبيلة للغة الحاكم الذي سيزوره أخذ مترجمًا معه، ليكون لسانه الناطق باسمه وأذنه التي تفسر له أقوال الحكام والأجانب ويظهر من الموارد اليونانية أن من الملوك الغساسنة من كان يتقن اليونانية، فلما زار بعض منهم القسطنطينية، تكلم بها وتباحث مع رجال الدين البيزنطيين في أمور اللاهوت بهذه اللغة.

والقاعدة العامة في العرف السياسي عند الجاهليين، أن الموفد لا يهان ولا يعتدى عليه ولا يقتل وكذلك كان هذا العرف ساريًا على رسل الملوك إلى سادات القبائل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015