أي: رجال دين، حكموا الناس باسم آلهتهم، وقد كان الواحد منهم يلقب نفسه بلقب "مكرب" أي: "مقرب" في لهجتنا. فهو أقرب الناس إلى الآلهة وهو مقرب الناس إلى آلهتهم، وهو مقدس لنطقه باسم الآلهة، وفي هذا المعنى جاء لفظة "مكربة"؛ لأنها "مقربة" من الآلهة، وهي تقرب الناس إليهم، وهي أيضا مقدسة و"حرام", فاللفظة ليست علمًا لمكة، وإنما هي نعت لها، كما في "بيت المقدس" و"القدس" إذ هما نعت لها في الأصل، ثم صار النعت علمًا للمدينة.
أما ما ذهب إليه بعض الباحثين من أن المعبد الشهير الذي ذكره "ديودروس الصقلي" "عز وجلiodorus Siculus" في أرض قبيلة عربية دعاها "1رضي الله عنهizomeni"، وقال: إنه مكان مقدس له حرمة وشهرة بين جميع العرب، هو مكة -فهو رأي لا يستند إلى دليل مقبول معقول، فالموضع الذي يقع المعبد فيه، هو موضع بعيد عن مكة بعدًا كبيرًا وهو يقع في "حسمى" في المكان المسمى "روافة" "غوافة" على رأي "موسل". وقد كانت في هذه المنطقة وفي المحلات المجاورة لها معابد أخرى كثيرة أشار إليها الكتبة اليونان والرومان، ولا تزال آثارها باقية، وقد وصفها السياح الذين زاروا هذه الأمكنة2.
وإذا صح رأينا في أن موضع "Macoraba" هو مكة، دل على أنها كانت قد اشتهرت بين العرب في القرن الثاني بعد الميلاد, وأنها كانت مدينة مقدسة يقصدها الناس من مواضع بعيدة من حضر ومن بادين، وبفضل هذه القدسية والمكانة بلغ اسمها مسامع هذا العالم الجغرافي اليوناني البعيد، ودل أيضا على أنها كانت موجودة ومعروفة قبل أيام "بطلميوس"؛ إذ لا يعقل أن يلمع اسمها وتنال هذه الشهرة بصورة مفاجئة بلغت مسامع ذلك العالم الساكن في موضع بعيد, ما لم يكن لها عهد سابق لهذا العهد.