حماية نفسه وحماية أهل البطحاء من تلك المرتفعات، وهم الذين عرفوا بقريش الظواهر، فلم تعد لأهل مكة سكان الوادي ثمة حاجة إلى اتخاذ الأطم والحصون، وبناء سور يحمي المدينة من الغزو، لا سيما والمدينة نفسها حرم آمن وفي حماية البيت ورعايته. وقد أكد "قصي" على أهلها لزوم إقراء الضيف ورعاية الغريب والابتعاد عن القتال وحل المشكلات حلًّا بالتي هي أحسن. كما نظم أمور الحج، وجعل الحجاج يفدون إلى مكة؛ للحج وللاتجار, ثم أكد من جاء بعده من سادة قريش هذه السياسة التي أفادت البلد الآمن، وأمنت له رزقه رغدًا.
ولم يرد اسم "مكة" في نص الملك "نبونيد" ملك بابل، ذلك النص الذي سرد الملك فيه أسماء المواضع التي خضعت لجيوشه ووصل هو إليها في الحجاز, فكانت "يثرب" آخر مكان وصل إليه حكمه في العربية الغربية على ما يبدو من النص.
ولم نتمكن من الحصول على اسم "مكة" من الكتابات الجاهلية حتى الآن, أما الموارد التأريخية المكتوبة باللغات الأعجمية، فقد جاء في كتاب منها اسم مدينة دُعيت بـ"مكربة" "مكربا" "Macoraba"، واسم هذا الكتاب هو "جغرافيا" "جغرافية" "للعالم اليوناني المعروف "بطلميوس" "ptolemy" الذي عاش في القرن الثاني بعد الميلاد, وقد ذهب الباحثون إلى أن المدينة المذكورة هي "مكة"1. وإذا كان هذا الرأي صحيحًا يكون "بطلميوس" أول من أشار إليها من المؤلفين وأقدمهم بالنظر إلى يومنا هذا، ولا أستبعد مجيء يوم قد لا يكون بعيدًا، ربما يعثر فيه المنقبون على اسم المدينة مطمورًا تحت سطح الأرض، كما عثروا على أسماء مدن أخرى, وأسماء قرى وقبائل وشعوب.
ولفظة "مكربة" "Macoraba"، لفظة عربية أصابها بعض التحريف ليناسب النطق اليوناني، أصلها "مكربة" أي: "مقربة" من التقريب. وقد رأينا في أثناء كلامنا على حكومة "سبأ" القديمة، أن حكامها كانوا كهانًا