ويظهر أنه كان من المواضع المقدسة عند الجاهليين، فقد كان نُسَّاك مكة وزهادها ومن يتحنف ويتحنث ويترهب من أهلها في الجاهلية يصعده ويعتكف فيه. ولعله كان مقام الطبقة المترفة الغنية من أهل مكة قبل نزوح "قريش" إلى الوادي، وسكنها المسجد الحرام المحيط بالبيت.

ويظهر من سكوت أهل الأخبار عن الإشارة إلى وجود أُطم أو حصون في مكة للدفاع عنها، أن هذه المدينة الآمنة لم تكن ذات حصون وبروج ولا سور يقيها من احتمال غزو الأعراب أو أي عدو لها. ويظهر أن ذلك إنما كان بسبب أن مكة لم تكن قبل أيام "قصي" في هذا الوادي الذي يتمركزه "البيت"، بل كانت على المرتفعات المشرفة عليه.

أما الوادي، فكان حرمًا آمنًا يغطيه الشجر الذي أنبتته السيول ورعته الطبيعة بعنايتها، ولم يكن ذا دور ولا سكن ثابت متصل بالأرض، بل كان سكن من يأوي إليه بيوت الخيام، وأما أهل المرتفعات فكانوا، إذا داهمهم عدو أو جاءهم غزو، اعتصموا برءوس المرتفعات المشرفة على الدروب، وقاوموا العدو والغزو منها, وبذلك يصير من الصعب على من يطمع فيهم الوصول إليهم, ويضطر عندئذ إلى التراجع عنهم، فحمتهم الطبيعة بنفسها ورعتهم بهذه الرءوس الجبلية التي أقامتها على مشارف الأودية والطرق. فلما أسكن "قصي" أهل الوادي في بيوت ثابتة مبنية، وجاء ببعض من كان يسكن الظواهر لنزول الوادي، بقي من فضل السكن في ظواهر مكة, أي: على المرتفعات، يقوم بمهمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015