الملك الذي كان قد حكم حينما تولى "قباذ" الحكم، وجعل "الحارث بن عمرو بن الحجر" الذي قتل النعمان على روايته من بعده. وقد دام حكمه على ما يظهر من رواية الطبري حتى أيام "كسرى أنو شروان بن قباذ". فلما قوي شأن "كسرى أنو شروان"، بعث إلى المنذر بن النعمان الأكبر، وأمه ماء السماء، فملكه الحيرة وما كان يلي آل الحارث بن عمرو بن حجر1.
أما "ابن الأثير"، وهو عيال على الطبري وناقل منه، فقد ذكر ما ذكره الطبري، وأضاف إليه: أن المنذر بن ماء السماء لما بلغه هلاك قباذ، وقد علم خلافه على أبيه في مذهبه، أقبل إلى "أنو شروان" فعرفه نفسه، وأبلغه أنه سيعيده إلى ملكه، وطلب "الحارث بن عمرو"، وهو بالأنبار، فخرج هاربًا في صحابته وماله وولده، فمر بـ"الثوبة"، فتبعه المنذر بالخيل من تغلب وإياد وبهراء، فلحق بأرض كلب، ونجا، وانتهبوا ماله وهجائنه، وأخذت بنو تغلب ثمانية وأربعين نفسًا من بني آكل المرار، فقدموا بهم على المنذر، فضرب رقابهم بـ"جفر الأميال"2 "جفر الأملاك" في ديار بني مرينا العباديين بين دير بني هند والكوفة3.
ترى مما تقدم اختلاف الروايات وتباينها وتعددها، حتى إن الرواية الواحد مثل "ابن الكلبي" يروي لنا جملة روايات، قد يناقض بعضها بعضًا. لقد وجدنا منها ما زعمت أن قباذ طرد المنذر من مملكته، وأحل الحارث محله، ومنها ما زعمت أن المنذر استرضى الحارث بعد أن رأي عجزه وعجز صاحبه، فحوله إليه، وزوجه ابنته هند، ومنها ما ذكرت أن الحارث قتل النعمان بن المنذر بن امرئ القيس بن الشقيقة، وأن المنذر بن النعمان الأكبر فر ونجا بنفسه، وأن الحارث ملك بالقوة ما كان يملكه ملوك الحيرة وأن قباذ داراه واسترضاه لما وجد فيه من البأس. فماذا نستخلص من مجموع هذه الروايات؟
كل ما يستخلص منها أن الحارث استبد بملك آل لخم، في أيام قباذ، وكان مركز هذا الملك صعبًا بسبب ضعفه، وبسبب العقيدة التي قبلها، وهي عقيدة تناقض ما كان عليه الناس. وقد حكم أمدًا: يظهر أنه امتد مدة حكم قباذ، ثم