فاجمع الجنود، وأقبل ... فجمع تبع الجنود، وسار حتى نزل الحيرة، وقرب من الفرات، فآذاه البق، فأمر الحارث بن عمرو أن يشق له نهر إلى النجف، وهو نهر الحيرة، فنزل عليه، ووجه ابن أخيه شمر ذي الجناح إلى قباذ، فقاتله فهزمه شمر حتى لحق بالري". وقد ترك ابن الكلبي الإشارة إلى الحارث وظفر إلى الحديث عن فتوحات شمر الذي أوصل فتوحاته إلى القسطنطينية، ثم إلى رومة "رومية"، ثم إلى عودة "تبع" وتهوده بتأثير أخبار يثرب، ثم إلى علم "كعب الأحبار" الذي استمده على حد قوله من بقية ما أورثت أحبار يهود1.
ويرى "موسل" أن التقاء "الحارث" بـ"قباذ" "488-531م" عند قنطرة الفيوم، كان سنة "525" للميلاد2. والفيوم موضع لا يبعد كثيرًا عن "هيت"3:
يفهم من رواية ابن الكلبي هذه أن الحارث التقى بملك الحيرة "النعمان بن المنذر" في معركة أسفرت عن مقتل "النعمان" وفرار المنذر ابنه، وعن انتصار عرب الحارث على عرب الحيرة، واستيلاء الحارث على ما كان يملكه النعمان، فلما حدث هذا ووقع، اضطر "قباذ" إلى ملاطفة الحارث واسترضائه. ولكن الحارث طمع في أكثر من ذلك، طمع في السواد، فأقطعه منه ما يلي جانب العرب من أسفل الفرات، أقطعه من ستة طساسيح. فليس في هذه إشارة إلى قبول "الحارث". الدخول في المزدكية، ولا إلى طرد النعمان من ملكه نتيجة لرفضه اتباعه في دينه، إنما هو ضعف قباذ وعجزه عن مساعدة صاحبه النعمان وانتهاز الحارث الذكي هذه الفرصة المواتية للاستيلاء على ما طمع فيه من ملك النعمان.
أما الشق الثاني، وهو خبر "تبع"، وحروبه ومساعدته له، فهو على ما يظهر من هذا النحو الذي ألفناه في ربط تأريخ كندة باليمن، والإشادة بماضي القحطانيين وانفرادهم بالملك دون خصومهم العدنانيين، وإلى عدم تمكن كندة من العمل وحدها لولا مساعدة اليمانيين.
يستنتج من كل هذه الروايات أن "الحارث بن عمرو" الكندي اغتصب عرش الحيرة أمدًا، اغتصبه من "النعمان بن امرئ القيس بن الشقيقة"، أو