يدخلون على الرجل في داره، فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله، لا يستطيع الامتناع منهم"1. هكذا وصف الطبري وغيره من الأخباريين دعوة مزدك.
فهي على هذا الوصف دعوة اشتراكية جاءت مقوضة لرجال الدين والإقطاعيين ومتنفذة الأغنياء.
فلما شايع قباذ المزدكية، اجتمعت كلمة "موبذان موبذ" والعظماء على إزالته من ملكه، فأزالوه عنه وحبسوه، وعينوا أخاه جاماسب مكانه، ويذكر الطبري أن ذلك كان في السنة العاشرة لملك قباذ، فيكون ذلك في سنة "498 م" على رأي من جعل ابتداء ملكه في عام "488م"2. وقدر حدوثه أيضًا في سنة "496م"3. وقد مكث أخوه ملكًا ست سنوات ثم أزاله عنه أخوه قباذ الذي أفلت من السجن في قصة يرويها الأخباريون، واستعاد قباذ بذلك ملكه4. فتكون استعادته ملكه في حوالي سنة "504" أو "502م". وقد مكث ملكًا حتى انتقل إلى العالم الثاني في سنة "531م".
وتذكر رواية الأخباريين هذه. أن الملك قباذ طلب من المنذر بن ماء السماء الدخول فيما دخل فيه من مذهب مزدك وزندقته، فامتنع، فاغتاظ قباذ وانزعج منه، ودعا "الحارث بن عمرو" إلى ذلك، فأجابه، فاستعمله على الحيرة. وطرد المنذر من مملكته، فعظم سلطان الحارث، وفخم أمره، وانتشر ولده، فملكهم على بكر وتميم وقيس وتغلب وأسد5. وكان من حل نجدًا من أحياء نزار تحت سلطان الحارث دون من نأى منهم عن نجد6. فتربط هذه الرواية كما نرى بين زندقة قباذ وعزل المنذر وتنصيب الحارث ملكًا على الحيرة، بقبوله مذهب قباذ.
وروى "حمزة" أن الحارث كان قد طمع في ملك "آل لخم". وكان قد وجد أن "قباذ" ضعيف الهمة فاتر العزم، غير ميال إلى القتال، وأنه سوف لا يساعد آل لحم. إن هو هاجمهم، لذلك ساق كندة ومن كان معه من بكر بن وائل عليهم، وباغت سادة الحيرة ولم يتمكنوا من الوقوف أمامه، فهرب.