وهناك رواية أخرى تذكر أن "صهبان بن محرث" هو الذي عين الحارث على معد. فهي تأييد للرواية المتقدمة. سوى أنها عينت اسم والد صهبان، بأن نصت عليه، فجعلته "محرثًا" أما الرواية المتقدمة فدعته "ذي خرب" و"ذي خرب" لقب، يعبر عن منصب وليس باسم علم.
وفي رواية يرجع سندها إلى أبي عبيدة، أن بكر بن وائل لما تسافهت، وغلبها سفهاؤها، وتقاطعت أرحامها، ارتأى رؤساؤهم فقالوا: إن سفهاءنا قد غلبوا على أمرنا فأكل القوي الضعيف. فنرى أن نملك علينا ملكًا نعطيه الشاة والبعير، فيأخذ للضعيف من القوي. ويرد على المظلوم من الظالم، ولا يمكن أن يكون من بعض قبائلنا، فيأباه الآخرون، فيفسد ذات بيننا، ولكننا نأتي تبعًا فنملكه علينا، فأتوه، فذكروا له أمرهم، فملك عليهم الحارث بن عمرو آكل المرار الكندي، فقدم فنزل بطن عاقل1.
ويدرك من هذه الروايات أنه كان للتبايعة نفوذ على قبائل معد، وأن تلك القبائل كانت تستشيرهم في أمورها، وتحتكم إليهم فيما يحدث بينهم من خلاف. وأنه كان لهم يد في تعيين الحارث وتنصيبه على تلك القبائل.
والشيء الوحيد الذي يمكن استخلاصه من هذه الروايات المدونة عن تعيين الحارث ملكًا، أنه تولى الحكم على كندة بعد وفاة أبيه، وأنه وسع ملكه بعد ذلك وقد يكون بمساعدة "تبع"، فصار ملكًا على كندة وبكر وعلى قبائل أخرى وأنه تمكن بشخصيته من رفع شأن قبيلته. ويرى "أوليندر" أنه حكم حوالي سنة "490" للميلاد2.
وليس من السهل تعين اسم "التبع" الذي عين الحارث ملكًا كما جاء ذلك في الروايات اليمانية بالاستناد إلى نصوص المسند، وليس من السهل أيضًا تصور بلوغ نفوذ "ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في الجبال وفي تهامة" المواضع التي ذكرها أخباريو اليمن. وقد رأينا آثار الوهن بادية على تلك المملكة، بحيث لم تتمكن من مقاومة غزو الحبشة لها. وليس من السهل أيضًا تصور مجيء "بكر" والقبائل الأخرى مختارة طائعة إلى الحارث تلتمس منه أن