الأسباب التي دعت إلى اعتماد الحارث على "تبع" في تولي الملك. ولو صحت هذه الرواية كان معناها أنه لم يتمكن من الحصول على حقه في الملك إما لامتناع القبائل من قبوله ملكًا عليها، مما دعاه إلى الاستعانة بـ"تبع" أو بغيره، وإما لأن ملك والده يوم توفي لم يكن واسعًا، بل كان مقتصرًا على كندة ومن في حلفها، أو لأنه لقي مقاومة من أشقائه وأقربائه، مما دفعه إلى الاستعانة بالغرباء في تنصيب نفسه ملكًا على كندة وعلى القبائل الأخرى، ثم على توسيع ملكه فيما بعد.
ولدينا رواية أخرى، تذكر أن الذي ساعد "الحارث بن عمرو" على تولي الحكم على بلاده معد، هو "صهبان بن ذي خرب"، وذلك أن معدًا لما انتشرت تباغتت وتظالمت، فبعثت إلى صهبان تسأله أن يملك عليها رجلًا يأخذ لضعيفها من قويها مخافة التعدي في الحروب، فوجه إليها الحارث بن عمرو الكندي، واختاره لها؛ لأن معدًا أخواله، أمه امرأة من بني عامر بن صعصعة، فسار الحارث إليها بأهله وولده. فلما استقر فيها، ولى ابنه حجر، وهو أبو امرئ القيس الشاعر على أسد وكنانة، وولى ابنة شرحبيل على قيس وتميم، وولى ابنه معديكرب، وهو جد الأشعث بن قيس الكندي على ربيعة، فمكثوا كذلك إلى أن مات الحارث، فأقر صهبان كل واحد منهم في ملكه، فلبثوا بذلك ما لبثوا. ثم إن بني أسد وثبوا على ملكهم حجر بن عمرو، فقتلوه. فلما بلغ ذلك صهبان، وجه إلى مضر عمرو بن نابل اللخمي، وإلى ربيعة لبيد بن النعمان الغساني، وبعث برجل من حمير يسمى أوفي بن عنق الحية وأمره أن يقتل بني أسد أبرح القتل. فلما بلغ ذلك أسدًا وكنانة، استعدوا. فلما بلغ أوفي ذلك، انصرف نحو صهبان، واجتمعت قيس وتميم فأخرجوا ملكهم عمرو بن نابل عنهم فلحق بصهبان، وبقي معديكرب جد الأشعث ملكًا على ربيعة1.
أما صهبان، فهو رجل لم يكن من أهل بيت الملك في حمير، بل كان قد وثب على الملك وأخذه عنوة، وذلك حينما تضعضع أمر الحميرية بقتل "عمرو بن تبع" أخاه "حسان بن تبع"، فانتهز صهبان هذه الفرصة، ووثب على "عمرو بن تبع" فقتله واستولى على ملكه وصار الأمر إليه2.