ويظهر أن المورد الذي نقل منه ابن الأثير أو أصحاب القصة، لم يحسن حبكها، أو أنه خلط بين قصتين، فظهرت في هذا الشكل.
وقد انتبه ابن الأثير إلى هذا الاضطراب، فقال: "هكذا قال بعض العلماء: أن زياد بن هبولة السليحي ملك الشأم غزا حجرًا. وهذا غير صحيح؛ لأن ملوك سليح كانوا بأطراف الشأم مما يلي البر من فلسطين إلى "قنسرين"، والبلاد للروم، ومنهم أخذت غسان هذه البلاد، وكلهم كانوا عمالًا لملوك الروم، كما كان ملوك الحيرة عمالًا لملوك الفرس على البر والعرب، ولم يكن سليح ولا غسان مستقلين بملك الشأم، وقولهم ملك الشام غير صحيح.
وزياد بن هبولة السليحي ملك مشارف الشام، أقدم من حجر آكل المرار بزمان طويل؛ لأن حجرًا هو جد الحارث بن عمرو بن حجر الذي ملك الحيرة والعرب بالعراق أيام قباذ أبي أنو شروان، وبين ملك قباذ والهجرة نحو ثلاثين ومائة سنة. وقد ملكت غسان أطراف الشأم بعد سليح ستمائة سنة، وقيل خمسمائة سنة، وأقل ما سمعت فيه ست عشرة سنة وثلاثمائة سنة، وكانوا بعد سليح، ولم يكن زياد آخر ملوك سليح، فتزيد المدة زيادة أخرى، وهذا تفاوت كثير، فكيف يستقيم أن يكون ابن هبولة الملك أيام حجر حتى يغير عليه، وحيث أطبقت رواة العرب على هذه الغزاة، فلا بد من توجيهها، وأصلح ما قيل فيه: إن زياد بن هبولة المعاصر لحجر كان رئيسًا على قوم، أو متغلبًا على بعض أطراف الشأم. وبهذا يستقيم هذا القول والله أعلم.
وقولهم أيضًا أن حجرًا عاد إلى الحيرة لا يستقيم أيضًا؛ لأن ملوك الحيرة من ولد عدي بن نصر اللخمي، لم ينقطع ملكهم لها إلا أيام قباذ، فإنه استعمل الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار، كما ذكرنا من قبل، فلما ولي أنو شروان، عزل الحارث، وأعاد اللخميين. ويشبه أن يكون بعض الكنديين قد ذكر هذا تعصبًا، والله أعلم.
إن أبا عبيدة ذكر هذا اليوم، ولم يذكر أن ابن هبولة من سليح، بل قال: "هو غالب بن هبولة ملك من ملوك غسان، ولم يذكر عوده إلى الحيرة، فزال هذا الوهم"1.