أخذهم بالأساليب الحديثة في الحياة. تمكنوا من استغلال أرضهم وما فيها من موارد طبيعية، وتعلموا استغلال مناجم النحاس والحديد القديمة في "أدوم"، واستخدام هذين المعدنين المهمين في صنع المواد اللازمة لشؤون الحياة. وأخذوا من "الهللينية" تنظيم المدن وأصول الإدارة والفن وحولوا مدينتهم الصخرية إلى مدينة حديثة جميلة تنطق حتى اليوم بكفاية أصحابها وبقابلياتهم للمدنية. كما اقتبسوا من "الفرث" "Parthian" ما يلائمهم ويوائم حياتهم وحاجاتهم1. وضربوا النقود على طريقة اليونان والرومان فأحسنوا في صنعها وأجادوا وأثبتوا أن العربي كيفما كان أمره قابل للتطور والإبداع والأخذ والاقتباس، وأنه إذا هيئت له الظروف وأرشده المرشدون ووجهوه توجيهًا حسنًا، أفاد نفسه وقومه والبشرية خير إفادة.
ومن النبط انتقلت المصنوعات النحاسية والحديدية المصنوعة في بلاد اليونان أو الشأم أو في بطرا إلى اليمن، وقد كانوا واسطة لنقل "الهيللينية" إلى العرب الجنوبيين. وقد عثر في "خولان" من اليمن على رأس مصنوع من النحاس، محفوظ الآن في المتحف البريطاني، يشبه وجهه الوجوه المطبوعة على النقود النبطية المضروبة في القرن الأخير قبل الميلاد، لذلك يرى الباحثون أنه من صادرات مملكة النبط إلى اليمن، وأنه من المصنوعات المتأثرة بالطابع "الهيلليني"2.
ويحدثنا "ديودورس" أن "انطيغونس" "صلى الله عليه وسلمntigonus" الذي خلف الإسكندر في سورية، جرد حملة على النبط قوامها أربعة آلاف جندي من المشاة وستمئة فارس جعلها في قيادة صديقه "أثينيوس" "صلى الله عليه وسلمthenaeus" ليجبرهم على التحالف معه وتأييد مصالحه. وأمره بمباغتتهم وسلب كل ما يمتلكون من ماشية. فسار القائد من مقاطعة "أدوم" "Idumaea" بكل حذر وتكتم لكيلا يعلم أحد من النبط به. وباغت الصخرة في منتصف الليل، فقتل من حاول المقاومة وأسر خلقًا منهم، وترك الجرحى، واستولى على ما وقعت عليه يده من البخور والتوابل والطيب والفضة. ثم أمر قوته بالإسراع بالرجوع، فلما قطعت مسافة مئتي "اسطاديون" أضناها التعب، ونهكها قطع الطريق، فاضطرت إلى قطع