ويعارض هذا الرأي بعض آخر، ولا يرى وجود صلة ما بين النبط و" نبياطي" أو "نبايوت"1. وأما النبط المذكورون في "المكابيين"، فهم النبط جماعتنا الذين نتحدث عنهم الآن2.
وقد أطلق "يوسفوس" اسم "النبطية" "Nebaioth" على منطقة واسعة تمتد من نهر الفرات فتصل بحدود الشأم إلى البحر الأحمر، وهي من مناطق أولاد إسماعيل3. ويظهر من تأريخ "يوسفوس" أن مؤلف هذا التأريخ كان يرى وجود صلة بين اسم "نبايوت" وهو اسم ابن "يشمعيل" "اسماعيل" وبين اسم النبط، وإلى هذا الرأي ذهب أيضًا "جيروم" "Jerome"4.
ومن أخبار "ديودورس" عنهم أن معظم بلادهم قفرة قليلة الماء والقسم المنبت منها قليل، لذلك عاش سكانها عيشة أعرابية، على الغزو، وعلى التحرش بحدود جيرانهم، لعلمهم أن من الصعب على الجيوش تعقب آثارهم والالتحام بهم في البادية لقلة الماء، وإلا تعرضت للتهلكة والموت عطشًا.
أما هم، فلهم آبار مخفية، وكهاريس أغلقت فتحاتها، فلا يعلم أحد من الناس سواهم أين هي؟ يشربون منها متى شاءوا، ويأخذون منها ما يحتاجون إليه. وهم قوم يحبون الحرية ويقدسونها، ويأبون الخضوع لحكم الغرباء. ولهذا لم يخضعوا لحكم الأشوريين أو الميديين أو الفرس أو لحكم ملوك المقدونيين، مع أن هذه الدول أرادت استعبادهم فأرسلت عليهم جيوشًا قوية، ولكنها لم تنجح في تحقيق ما أرادت، ولم تتمكن من السيطرة على هؤلاء الأنباط5.
وقد ذكر عنهم أنهم كانوا يجمعون المطر ويخزنونه في الصهاريج، التي لا يعرف موقعها أحد غيرهم، وأنهم كانوا لا يذيقون ماشيتهم الماء إلا في كل ثلاثة أيام، حتى تتحمل عطش البادية وقلة مائها، وبذلك تتعود هذه البوادي القاسية.