ظاهرة. أما نبطنا، فهم أصحاب كتابات مدونة بالإرمية، وقد عاشوا في "العربية الحجرية" وفي مناطق أخرى خضعت لسلطانهم لم تكن البطائح منها على كل حال، كما عاش فرع آخر منهم في "تدمر"، وسيأتي الحديث عنهم.

وعندي أن النبط عرب، بل هم أقرب إلى قريش وإلى القبائل الحجازية التي أدركت الإسلام من العرب الذين يعرفون بـ"العرب الجنوبيين". والنبط يشاركون قريشًا في أكثر أسماء الأشخاص، كما يشاركونهم في عبادة أكثر الأصنام. وخط النبط قريب جدًّا من خط كتبة الوحي، وقد قلت إن من العلماء من يرى أن قلمنا هذا مأخوذ من قلم النبط. يضاف إلى ذلك ما ذكرته من وجود كلمات عربية كثيرة من النصوص النبطية المدونة بالإرمية، هي عربية خالصة من نوع عربية القرآن الكريم. لهذه الأسباب أرى أن النبط أقرب إلى قريش وإلى العدنانيين على حد تعبير النسابين من العرب الجنوبيين الذين تبتعد أسماؤهم وأسمء أصنامهم بعدًا كبيرًا عن أسماء الأشخاص والأصنام عند قريش وبقية العدنانيين. أضف إلى هذا ما ورد في التوراة وما عند أهل الأخبار من أن "نبايوت" وهو "نابت" أهل الأخبار، هو الابن الأكبر لإسماعيل، وإسماعيل في عرف النسابين هو جد العرب العدنانيين.

وقد سبب تدوين النبط كتاباتهم بالإرمية خسارة فادحة لنا لا تقدر بثمن؛ لأنه حرمنا الحصول على نصوص بلهجات عربية قديمة نحن في أشد الحاجة إليها، لما لها من فائدة في دراسة تطور اللهجات العربية واللهجة التي نزل بها القرآن الكريم والمراحل التي مرت بها. وخاصة أننا لا نملك من النصوص العربية المدونة باللهجات العربية الشمالية القريبة من عربية القرآن سوى بضعة نصوص.

وبعد "ديودورس الصقلي" أقدم كاتب "كلاسيكي" تحدث عن النبط. يليه "سترابون"، فبقية "الكلاسيكيين" الذين عاشوا بعدها. وفي تأريخ "يوسفوس" اليهودي المتوفى حوالي سنة "95" بعد الميلاد، أخبار مفيدة عن النبط، ولا سيما علاقتهم بالعبرانيين الذين كانوا على اتصال وثيق بهم بسبب الجوار.

وقد تطرق "سترابون" إلى أمور لم يتطرق لها "ديودورس"، أخذها من صديق له اسمه "أثينودورس" "صلى الله عليه وسلمthenodrous"، وكان فيلسوفًا ولد بين النبط وعاش بينهم. وقد حدثه هذا الفيلسوف أن عددًا كبيرًا من الرومان ومن الغرباء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015