اسم علم ليس غير مثل سائر أسماء الأعلام، لا علاقة له لا بالماء ولا باستنباط الماء. حار الأخباريون فيه فعالجوه على مألوف طريقتهم بإيجاد معان للأسماء، وتعليلات وأسباب، وظنوا أنهم بهذا التعليل وجدوا سر التسمية ووقفوا عليه، ولا سيما أن النبط زراع، ولهم مياه غزيرة وعلم بالماء، وأن النبط: الماء الذي ينبط من قعر البئر إذا حفرت، فقالوا: النبط من نبط، فالمسألة إذن سهلة هينة. إنهم سموا نبطًا لاستنباطهم ما يخرج من الأرضين، وهو الماء1.
وأشير إلى النبط في حديث عمر: "ولا تستنبطوا"، أي تشبهوا بمعد ولا تشبهو بالنبط. وفي الحديث الآخر: "لا تنبطوا في المدائن" أي لا تشبهوا بالنبط في سكناها واتخاذ العقار والملك. وورد ذكر النبط في خبر مرفوع على ابن عباس: "نحن معاشر قريش من النبط من أهل كوثى ريا، قيل: إن إبراهيم الخليل ولد بها، وكان النبط سكانها"2. وورد في حديث "عمرو بن معد يكرب" حين سأله "عمر" عن "سعد بن أبي وقاص"، فقال: "أعرابي في حبوته، نبطي في جبوته"، أراد أنه في جباية الخراج وعمارة الأرضين كالنبط حذقًا بها ومهارة فيها؛ لأنهم كانوا سكان العراق وأربابها. وفي حديث أبي أوفى: "كنا نسلف نبيط أهل الشأم"3.
ويقال الآن في نجد للشعر العامي "الشعر النبطي" أو "شعر النبط"، ويرى الباحثون في هذا النوع من الشعر أنه منسوب إلى نبط العراق4. وعلى كل فإن لهذه التسمية علاقة باسم هذا الشعب العربي القديم الذي نتحدث عنه.
والنبط الذين قصدهم الأخباريون إذن، هم قبط آخر لا نريدهم نحن في هذا الفصل ولا نقصدهم، هم يقصدون بقايا الشعوب القديمة خاصة النازلين في البطائح منهم، ومنهم مترسبات الإرميين في العراق والشأم، وذلك قبيل الإسلام وفي الإسلام، وكانوا يتكلمون بلهجات عربية ولكن برطانة أعجمية وبلكنة غريبة