لأن الولد كشجرةِ مثمرة، فكما أن من غرس شجرة مثمرة يحصل له ثواب بأكل تلك الثمرة، سواء يدعو آكلها للغارس أو لا يدعو، فكذلك الأب كالغارس، والولد الصالح كالشجرة المثمرة، فهذا مثل قوله: "من سنَّ سُنَّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة".
و (الولد الصالح) كسُنةٍ حسنةٍ سنها أبوه؛ أي: وضعها، فإن كان الولد سيئًا لا يلحق من سيئاته إلى الأب إثم؛ لأن نيَّةَ الأب في طلب الولد الخير لا الشر؛ لأن نيته في طلب الولد أن يحصل له ولد صالح يعبد الله ويحصل منه الخير إلى الناس، وإنما يصل من شر الولد إلى الأب نصيبٌ أن يعلِّمَ الأبُ الولدَ شرًا كالسرقة وشرب الخمر وغيرهما من المعاصي.
قوله: "يدعو له" إنما قال هذا لتحريض الولد على الدُّعاء لأبيه، لا لأنه لو لم يدعُ الولد لا يلحق والده منه ثواب، بل يحصل له، فكما أن الأب يحصل له ثواب من الولد فكذلك الأم يحصل لها ثواب من ولدها بل ثوابها أكثر؛ لأن حقَّها على الولد أكثر.
فإن قيل: قال هنا: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة"، فينبغي أن لا يكون غير هذه الثلاثة من يحصل له ثواب بعد موته، وقد جاء في الحديث: "من سنَّ سُنَّة حسنة ... " إلى آخره.
وأيضًا: "كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة"، فهذان آخران يحصل لهما ثواب بعد موتهما.
قلنا: هذان داخلان في تلك الثلاثة؛ لأن السُّنة التي سنَّها الرجل فهي: إما تعليم علم أو جعل موضع وقفًا أو ترك ولد صالح وما أشبه ذلك، وكذلك المرابط - وهو الغازي - لأنه قصد ونوى إحياء الدين وإظهاره، وجعل كل كافر