المشقة العظيمة على أنفسكم في الطاعات كيلا تضعفوا، وحينئذٍ يَفُوتُ عنكم بعض الفرائض والسُّنن المؤكدة وقضاء الحقوق، بل ينبغي للرجل أن يؤدِّي الفرائضَ والسُّنن ثم إنْ قدر يعمل بعض النوافل بحيث لا يلحقه ضرر ومشقة.

وقد جاء في حديث آخر: أنَّ رسول الله عليه السلام قال: "لِيُصَلِّ أحدُكم نشاطَهُ، فإذا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ".

يعني: ليصلِّ أحدُكُم في وقتِ مطاوعة نفسِه وله نشاط، فإذا ضعف وحصل فيه ملالة فليترك الصلاة، وهذا في الصَّلاة النَّافلة، وكذلك الصَّيام وقراءة القرآن.

قوله: "فإنَّ قومًا شدَّدوا على أنفسهم فَشُدِّدَ عليهم"؛ يعني بهم: بني إسرائيل؛ فإن الله تعالى أمرهم أن يذبحوا بقرة، فسألوا عن لونها وسِنِّها وغير ذلك من صفاتها، حتى أمرهم الله تعالى بذبح بقرةٍ على صفةٍ لم توجد بتلك الصفة إلا بقرة واحدة، ولم يبعها صاحبها إلا بِمِلءِ جلدها ذهبًا، ولا بدَّ لهم من شرائها؛ لأن الله تعالى أمرهم بذبح بقرة بتلك الصِّفة، فاشتروها وذبحوها، وهذا التشديد لزمهم بكثرة سؤالهم عن صفة البقرة.

قال بعض المفسرين: إنهم لو ذبحوا بقرةً أيَّ بقرة كانت في أول ما أمرهم الله تعالى، لأجزأت عنهم، ولكن شدَّدوا على أنفسهم بكثرة سؤالهم، فشدَّدَ الله تعالى عليهم.

قوله: "فتلك بقاياهم"، (البَقَايا): جمع بَقِيَّة، فتلك إشارة إلى مؤنث، يفسرها (بقاياهم)؛ يعني: بكثرة سؤالهم بقيَتْ جماعةٌ من بني إسرائيل يشدِّدون على أنفسهم بفعل ما لم يأمرهم الله تعالى، بل من إقامتهم على رؤوس الجبال ومهاجرتهم الناس.

"الصَّوامع": جمع صَومَعَة، وهي موضع عبادة الرهبان، "والدِّيار": جمع دار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015