(الرَّهبَانيَّة): عبادة الرُّهْبَان، وهي ما يفعلونها من تلقاء أنفسهم من ترك التلذذ بالأطعمة، وترك التزوج، وترك مخالطة الناس، والتَّوطن على رؤوس الجبال والمواضع البعيدة من العمرانات، وتلك الأشياء وضعوها مِن تلقاء أنفسهم.
"وقوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} "، (رهبانيَّة): منصوبة بفعل محذوف يفسره {ابْتَدَعُوهَا}، وتقديره: ابتدعوا رهبانية، فلما حذف (ابتدعوا) قَبْلَ رهبانية، أتى به بعدها، فقال: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا}.
ومعنى: (ابتدع) أتى بشيء بديع؛ أي: جديد لم يفعله قبلَه أحدٌ، والضمير في (كتبنا) راجع إلى الله تعالى؛ يعني قال الله تعالى: ما كتبنا الرهبانية، و (الرَّهْبَانيَّة) من الرَّهْبَةِ، وهي الخوف والمبالغة في العبادة.
* * *
144 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نزلَ القرآنُ على خمسةِ وجوهٍ: حلالٍ، وحَرامٍ، ومُحكَمٍ، ومُتشابهٍ، وأَمْثالٍ، فأَحِلُّوا الحَلالَ، وحرِّموا الحَرامَ، واعمَلُوا بالمُحكَم، وآمِنوا بالمُتشابه، واعتبِروا بالأَمثال".
قوله: "نزل القرآن على خمسة وجوه"؛ يعني: بعض القرآن يبين ما هو حلال أكله أو فعله، كقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [الأعراف: 160]، وكقوله تعالى: {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] الآية.
(الجَوارِحُ): جَمع جَارِحَةٍ، وهي ما تصيد بها كالكلب والفهد؛ يعني: ما أصاد لكم الجَوارِحُ المُعَلَّمَةُ حلالٌ أكله، وكقوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]؛ أي: لباسكم وما أشبهه.