"أوتوا"؛ أي: أعطوا، والضمير في (أوتوا) مفعول أقيم مقام الفاعل، و (الجدل): منصوب لأنه المفعول الثاني، الجدل: الخصومة بالباطل.

يعني: كل قومٍ ضلوا عن الهدى، ووقعوا في الكفر، إنما ضلوا بعد أن طفقوا بالخصومة بالباطل مع نبيهم، وطلبوا منه المعجزات للعناد والجحود، لا لطلب تَبَيُن كونه نبيًا ليؤمنوا به بعد ظهور نبوته، بل لإيذائه وإنكار نبوته، فلما أتى النبي عليه السلام بما طلبوا من المعجزة أصرُّوا وداموا على كفرهم.

قوله تعالى: {وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا} [الزخرف: 58]، يعني: ما ضربوا هذا المثل لك يا محمد! وهو قولهم: {وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} أراد بـ (الآلهة) هنا: الملائكة؛ يعني: الملائكة خيرٌ أَمْ عيسى، فنعبد الملائكة، يعنون الملائكة خير من عيسى، فإذا عبد النَّصارى عيسى فنعبد الملائكة، فقال الله تعالى لنبيه محمد عليه السلام: ما قالوا هذا القول عن دليل وبرهان، ولم يسألوك هذا السؤال لطلب الحق بل لمخاصَمَتِك وإيذائك بالباطل.

وهذا الحديث زجر ونهي للمسلمين عن الجَدَلِ، بل ينبغي للمسلم أن يكون مسلمًا (?) لأمر الله تعالى وأمر رسوله، ويقبل ما أُمر به عن اعتقادٍ صادقٍ من غير اعتراضٍ على الله ورسوله.

* * *

146 - عن أنس - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "لا تُشدِّدوا على أنفُسِكُم، فيُشدِّدَ الله عليْكُمْ، فإنَّ قومًا شدَّدوا على أنفُسِهم فشدَّدَ عليهم، فتلْكَ بقاياهُمْ في الصَّوامعِ والدِّيار {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد: 27] ".

قوله: "فيشددَ الله تعالى": نصب على أنه جواب النهي؛ يعني: لا تحملوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015