وقيل: إن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الكلام، وهو يومئذ بتبوك ناحيةِ الشام، ومكة والمدينة بينه وبين اليمن، فأشار إلى ناحيةِ اليمن، وهو يريد مكةَ والمدينة، يريد: الإيمان من هذه الناحية، كما يقال: سُهيل اليماني؛ لأنه يبدو من ناحية اليمن، وقيل: هم الأنصار؛ لأنهم نَصَروا الإيمان، وهم يمانيَّة، فَنَسَبَ الإيمانَ إليهم.
وقيل: قوله "الحكمة يمانية" أراد بها الفقه؛ لقوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة: 2].
ويروى: "الفِقْه يَمَان"، وهذا ثَنَاء على أهل اليمن لإسراعهم إلى الإيمان وحُسْن قَبولهم إيَّاه، وقيل: الحكمة عبارة عن كل كلمة صالحة تمنع صاحبَها عمَّا يُوقِعُه في الهلاك.
* * *
4918 - عَنْ أبي مَسْعودٍ الأنصاريِّ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مِن هَا هُنَا جَاءَتِ الفِتَنُ، نَحْوَ المَشْرقِ، والجَفَاءُ وغِلَظُ القُلُوبِ في الفَدَّادينَ أَهلِ الوَبَرِ، عندَ أُصْولِ أَذْنَابِ الإِبلِ والبَقَرِ، في رَبيَعَةَ ومُضَرَ".
قوله: "والجَفَاء وغِلَظ القلوبِ في الفَدَّادين"، قال أبو عمرو: والفَدَادين - مخففة - واحدها فَدَّان - بالتشديد -، وهي البقرة التي يُحرث عليها، وأهلُها أهلُ جفاء لبُعدهم من الأَمْصار، والأكثرون ذهبوا إلى أنها مشدَّدة.
قال أبو العباس: هم الجَمَّالون والبَقَّارون والحَمَّارون.
وقال الأصمعي: هم الذين تَعْلُو أصواتُهم في حُروثهم وأموالِهم ومَوَاشيهم، يقال: فَدَّ الرجل يَفِدُّ فَدِيدًا: إذا اشتد صوتُه.
وقال أبو عبيدة: الفَدَّادون: هم المُكْثرون من الإبل الذي [يملك] أحدهم