يأتيكُم مِن اليَمَنِ يُقالُ لهُ: أَوَيْسٌ، لا يَدَعُ باليَمَنِ غيرَ أمًّ له، قد كانَ بهِ بياضٌ فدَعَا الله، فأَذْهَبَهُ إلا مَوْضعَ الدِّينارِ أو الدِّرْهَمِ، فمَن لقيَهُ مِنْكم فَلْيَسْتَغْفِرْ لكم".
قوله: "فمَنْ لَقِيَه منكم فليستَغْفِرْ لكم"، أمرُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الصحابةَ بالاستغفار من أُويس التابعي - مع أن الصحابةَ أفضل من التابعين بلا خلاف - دليلٌ على أن الفاضل يُستحب له أن يَطْلُبَ الدعاءَ من المفضول.
ويحتمل أن يكون تطييبًا لقلبه؛ لأنه كان يُمكنه أن يَصِلَ إلى حضرة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لكن بِرُّه بأمه قد منعَه ذلك، فلهذا أمرهم بالاستغفار منه، ليندفع توهُّمه أنه مُسِيء في تخلُّفه.
* * *
4916 - وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَاكُم أَهْلُ اليَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفئِدَةً وأَلْينُ قُلُوبًا، الإِيْمَانُ يَمَانٍ، والحِكْمَةُ يَمَانيَّةٌ، والفَخْرُ والخُيَلاءُ في أَصْحَابِ الإِبلِ، والسَّكِيْنَةُ والوَقَارُ في أَهْلِ الغَنَم".
قوله: "أتاكم أهلُ اليمن، هم أرقُّ أفئدةً وألينُ قلوبًا ... " الحديث.
قال في "شرح السنة": قيل: هما قريبان من السَّواء، كرَّرَ ذكرَهما لاختلاف اللفظين تأكيدًا، أو أراد بلين القلب: سرعة خُلُوص الإيمان إلى قلوبهم.
ويقال: إن الفؤادَ غِشاءُ القلب، والقلب: حبته وسويداؤه، فإذا رقَّ الغِشاء أسرعَ نفوذُ الشيء إلى ما وراءه.
وقيل: قوله: "الإيمان يَمَان"، يراد به أنه مكي؛ لأنه بدأ من مكة، وأضاف إلى اليمن؛ لأن مكة من أرض تِهَامة، وتِهامة من أرض اليمن، فتكون مكةُ على هذا يمانيَّةً.