عنْ الطَّريقِ، فوَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: "احْفَظُوا علَيْنا صَلاتَنا"، وَكَانَ أوَّلَ مَنْ استَيْقَظَ رَسَولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والشَّمْسُ في ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: "ارْكَبُوا"، فركِبنا، فسِرْنا، حتَّى إذا ارتفَعَتِ الشَّمسُ نَزَلَ، ثُمَّ دَعا بمِيضأَةٍ كانتْ معِي فيها شَيءٌ منْ ماءٍ، فتوضَّأَ مِنْها وُضُوءًا دُونَ وُضوءٍ، قال: وبقيَ فيها شَيءٌ منْ مَاءٍ، ثُمَّ قال: "احْفَظْ علَيْنا مِيضَأَتَكَ فسيَكونُ لَها نَبأٌ", ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ بالصَّلاةِ، فصَلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الغَداةَ، ورَكِبَ ورَكِبنا مَعَهُ، فانتَهينا إلى النَّاسِ حِينَ امتدَّ النَّهارُ وحَمِيَ كُلُّ شيءٍ وهُم يقولون: يا رَسُولَ الله! هلَكْنا عَطَشًا، فقال: "لا هُلْكَ عَلَيْكُمْ"، ودَعا بالمِيضأَةِ، فَجَعلَ يَصُبُّ وأبو قَتادَةَ يَسقيهِمْ، فلمْ يَعْدُ أنْ رَأَى النَّاسُ ماءً في المِيضأَةِ فتَكَابُّوا عليها، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحْسِنوا المَلأَ، كُلُّكُم سَيَرْوَى"، قال: ففعلَوا، فجَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُبُّ ويَسقِيهِمْ، حتَّى ما بَقِيَ غَيْرِي وغَيْرُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ صَبَّ فقالَ لي: "اشرَبْ"، فقلتُ: لا أشرَبُ حتَّى تَشْرَبَ يا رَسُولَ الله! قَالَ: "إنَّ سَاقِيَ القَومِ آخِرُهُم شُرْبًا"، قال: فشرِبْتُ وشَرِبَ، قال: فأتَى النَّاسُ المَاءَ جامِّينَ رِواءً.

قوله: "لا يلوي أحد على أحد"؛ أي: لا يميل أحدٌ إلى أحد، ولا يلتفت إليه، بل يمشي وحدَه قاصدًا إلى الماء.

قوله: "يسير حتى ابهارَّ اللَّيلُ"؛ أي: انتصف، وبُهْرة الشيء: وسطه.

قوله: "اركَبُوا، فَرَكِبنا، فَسِرْنا، حتى إذا ارتفعت الشمس نَزَل" وإنما أخَّر القضاء ليكون دليلاً على أن قضاء صلاة نام عنها أو نسِيَها لا يجب على الفور، بل على التراخي مدةَ عمره، ولا يأثم، وإنما لم يقض في ذلك الموضع الذي فاتت الصلاة عنه، بل انتقل إلى موضع آخر، ليعلِّم أن الموضعَ الذي ارتكب الشخصُ فيه مَنْهيًّا أو تَرَكَ مأمورًا يُستحبُّ له أن يفارِق ذلك الموضع، ثم يأتي بما تَرَكَه في موضعٍ آخرَ ترغيمًا للشيطان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015