ومعنى البركة في الشرع: داوم الإيمان، وامتثال الأمر، ودوام الوعد بحُسْن العاقبة، كما فعل الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - بجماعةٍ وعدَهم وعدًا دائمًا لا ينقطع بأنهم من سُكَّان الجنة، سعادتُهم أبديَّة لا انقطاعَ لها.

قوله: "حيَّ على الطَّهور المُبارك"، (حيَّ) - مفتوح الياء - اسمٌ لفعل الأمر، ومعناه: أسرِعْ، كما تقول العرب: حيَّ على الثَّريد؛ أي: أسرع إليه.

قوله: "كنَّا نَسْمعُ تسبيحَ الطَّعامِ وهو يُؤكل"، تسبيح الطعام إن كان بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يأكله فبركةُ يدِه وصَلَتْ إلى الطعام، فصار الطعام يسبح الله تعالى على أنْ جعلَه مأكولَ خيرِ الأنبياء، فإن خير الطعام ما يأكله الخَير، وسماع تسبيح الطعام كان معجزةً ظاهرة له - صلى الله عليه وسلم -، وإن لم يكن بين يديه فيكون تسبيحه أيضًا معجزة له، إذ الطعامُ جماد، وتسبيح الجماد خَرْقُ العادات.

واعلم أن تسبيحَ الطعامِ والحَصَى وغيرَ ذلك من معجزاته: إنما كان مُسْتَغْربًا بالنسبة إلى عالَم الحِكْمة؛ لأن ما وُجد في عالم الحكمة لا يحصُل إلا بالأسباب؛ لأنه مركَّب من العناصر الأربعة، وأما عالَم القُدرة فهو غير مركَّب.

فحينئذ لا يحتاج إلى الأسباب والمواد، فعند إرادته القديمة تعالى بإظهار معجزة على يد نبي من الأنبياء صلوات الله عليهم يظهرُ ما هو من عالَم القدرة الذي لا تركيب فيه على يده؛ كتسليم حجر، أو تسبيح طعام، وغير ذلك مما يعجَزُ الخلْقُ عن إتيان مثله، فيلزمهم تصديقُه في دعوى النبوة؛ لأنه بشرٌ مثلُهم، فلو لم يكن مؤيَّدًا من عنده تعالى لَمَا قَدَرَ عليه، كما لا يَقْدِرون عليه.

* * *

4626 - قَالَ أَبُو قَتادَة - رضي الله عنه -: خَطَبنا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إنَّكُمْ تَسيرُونَ عَشيَّتَكُمْ ولَيْلَتَكُمْ، وتأْتونَ المَاءَ إِنْ شَاءَ الله غَدًا"، فانطلقَ الناسُ لا يَلْوِي أَحدٌ على أَحدٍ، قال أبو قَتادَةَ - رضي الله عنه -: فبَيْنَما رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَسيرُ حتَّى ابْهارَّ اللَّيلُ، فمَالَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015