رجلٌ على نْفسِه، فلمَّا حضَرَهُ المَوتُ أَوصَى بنيهِ: إذا ماتَ؛ فحَرَّقوهُ، ثم اذْرُوا نصْفَه في البرِّ، ونصفَهُ في البَحرِ، فَوَالله لئِن قَدَرَ الله عليهِ ليُعذِّبنهُ عَذابًا لا يُعذِّبُه أَحَدًا مِن العالَمينَ، فلمَّا ماتَ فعَلُوا ما أَمَرَهم، فأَمرَ الله البَحْرَ، فجمعَ ما فيهِ، وأَمرَ البرَّ، فجمَعَ ما فيهِ، ثم قالَ لهُ: لِمَ فعلتَ هذا؟ قال: مِن خَشْيَتِكَ يا ربِّ، وأنتَ أعلمُ! فغَفَرَ لهُ".

قوله: "ثم اذْرُوا نصفه"؛ أي: ثم فرِّقوا نصف رَماده؛ ذَرَا يَذْرو: إذا فرَّق البَذْر والتراب على وجه الأرض.

قوله: "لئن قدر الله عليه"، وهذا الرجل كان مبتدعًا؛ لأنه اعتقد بأن الله تعالى ليس بقادر على الجزئيات؛ أي: على الأشياء الحقيرة القليلة مثلِ جمع ما في وجه الأرض وما في وجه الماء من الأجزاء المحترقة لهذا الشخص وإحيائه على هذه الصفة.

قوله: "فغفر له"، وهذا يدل على أن غفران المبتدعين جائز، ولا يجوز القطع على تعذيب المبتدعين، بل هم في مشيئة الله إن شاء عذَّبهم وإن شاء غفر لهم، وكان سببَ مغفرةِ هذا الرجل خوفُه من الله تعالى وتعظيمُه لله وتحقيرُه للمذنب، وتحقيرُ المذنب نفسَه وتعظيمُ ربه وصفٌ يحبُّه الله، فلهذا غفر له.

روى هذا الحديثَ معاويةُ بن جُنْدُب.

* * *

1697 - وقال عُمر بن الخَطَّاب - رضي الله عنه -: قَدِمَ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْيٌ، فإذا امرأةٌ مِنَ السَّبْي قد تَحَلَّبَ ثَديُها تَسعَى، إذا وَجَدَتْ صبيًا في السَّبْي أخذَتْهُ، فأَلصَقَتْهُ ببَطْنِها، وأرضعَتْهُ، فقالَ لنا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أترَوْنَ هذهِ طارِحَةً ولدَها في النارِ؟ "، قلنا: لا وهي تقدرُ على أنْ لا تَطْرَحَهُ، قال: "لَلَّهُ أرحمُ بعبادِهِ من هذه بولدِها".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015