وذكر في "شرح السنة": [أنه] له وجهان:
أحدهما: أن معناه: أني أرسلتُ إلى المؤمن ما يقرَّبهُ إلى الهلاك من المرض والجوع والعطش والسقوط من العلو إلى السفل البعيد، ثم حفظته وشفَيْتُه من الأمراض، ودفعتُ عنه الجوعَ والعطشَ، ففعلتُ به هذا مرةً بعدَ أخرى، ولم أهلكه حتى يبلغ أجله، ومن قَرُبَ أن يفعل فعلًا، ثم تركه، يقال: (بدا له تردُّدٌ)، فكذلك إذا أرسل الله إلى المؤمن ما يقرِّبه إلى الهلاك، ثم حفظه عن الهلاك، فكأنه قرب أن يهلكه ولم يهلكه، فهذا يشبهه فعلُ المتردَّد، ولكن ليس في حق الله تعالى بأنه عالم بما كان وما يكون، وبما فعل وبما يفعل، ولا يخفى عليه شيء.
والوجه الثاني: أن يكون (التردد) بمعنى: الترديد، وهو جعلُ أحدٍ مترددًا بين أمرين، ومعناه هنا في هذا الوجه: أني ما ردَّدتُ الملائكةَ الذين يقبضون أرواحَ الناس ويهلكونهم في شيء ترديدًا مثلَ ترددي إيَّاهم في قبض أرواح المؤمنين؛ يعني أقول لهم: اقبضوا روح فلان، ثم أقولُ لهم: أخِّروه، كما جاء أنه تعالى بعثَ ملك الموت إلى موسى عليهما السلام، وأمره بقبضِ روحِهِ، فلما جاء ملكُ الموت وقال له: أجب ربك؛ يعني: أطعني حتى أقبض روحَكَ، فلطمه موسى، وفَقَأَ عينَهُ، فرجع ملك الموت إلى ربه وقال: يا رب! أرسلتني إلى من لا يريدُ الموتَ، فلطمني، وفقأ عيني، فردَّ الله إليه عينه فقال له: اذهبْ إلى موسى، وقل له: إن كنتَ تريدُ الحياةَ، فضعْ يدَك على متن ثورٍ، فما وارت يدك من شعره، فاإنك تعيشُ بها سنة، فقال موسى عليه السلام: ثم مَه؟ أيُّ: أي شيء يكون بعد ذلك؟ فقال: الموت؛ يعني: تموت بعد ذلك، فقال: الآنَ من قريب؛ يعني: فإذا كان عاقبتي الموت، فأمتني عن قريب.
قوله: "يكره الموتَ وأنا أكرهُ مساءتَهُ"، (المساءة): الأحزان، والمراد بها