لم يأمر به الله، ولم يعصِ أحدٌ الله بترك النوافل، بل فعل النوافل موجبٌ للثواب، وتركُهُ غيرُ موجبٍ للعقابِ.
قوله: "وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه".
مثال المؤدي للفرائض والنوافل جميعًا كمن عليه دينٌ لأحد، فإذا أدَّى دينه موفرًا كاملًا عن غير مطلٍ يحبُّه، ولو أدَّى دينه، وزادَ عليه شيئًا من ماله غيرَ ما وجب عليه، لا شكَّ أن آخذَ الدين أشدُّ حبًا له بأخذ الدين والشيءِ الزائد من أخذ الدين، فكذلك مَنْ أدَّى فرائضَ الله تعالى يحبُّه الله، ومن أدَّى الفرائضَ والنوافلَ يزيدُ حبُّ الله له، فبقدرِ ما زاد من النوافل يزيدُ حبُّ الله له، حتى صار عبدًا مخلصًا مرضيًا لله تعالى، فإذا صار مرضيًا محبوبًا لله، يكون الله سمعَهُ الذي يسمع به ... إلى آخر الكلمات.
سُئِلَ الشيخُ أبو عثمان الحِيْرِيُّ عن هذه الكلمات فقال: معناه: كنتُ أسرعَ إلى قضاء حوائجه من سمعِهِ في الاستماع، وبصرِهِ في النظر، ويدِهِ في اللمس، ورجلِهِ في المشي.
وقال الخطَّابيُّ: معناه: توفيقه في الأعمال التي باشرها بهذه الأعضاء؛ يعني: يتيسَّرُ عليه فيها سبيلُ ما يحبُّه ويعصمه عن موافقة ما يكره من استماعٍ إلى اللغوِ بسمعه، ونظرٍ إلى ما نهى الله عنه ببصرِهِ، وبطشٍ بما لا يحلُّ بيده، وسعي في الباطل.
حاصل كلام الخطابي: أن معناه: أني أوفِّقه حتى لا يسمعَ إلا ما أحبه، ولا يبصر إلا ما أحبه، ولا يستعمل يديه ورجليه إلا فيما أحبه.
قوله: "وما تردَّدتُ في شيء أنا فاعله تردُّدي عن نفسِ المؤمنِ".
(تردَّد الرجل): إذا تحيَّرَ بين الفعلين؛ لعدم علمه بأنَّ الأصح فعلُ هذا أم هذا، وهذه من صفة الخلق، وأما الخالق منزهٌ عن التردُّدِ بهذا المعنى.