ذلك العصر ومن المهم أن نشير إلى أن المماليك لم يؤمنوا بنظام وراثة العرش، إذ طبيعتهم العسكرية من ناحية، وشعورهم بأنهم جميعاً سواء في ناحية أخرى، جعل كبار أمرائهم يعتقدون أنهم جميعاً يستحقون العرش الذي يفوز به اقواهم، واقدرهم على الإيقاع بالآخرين تحقيقاً لمبدأ (الحكم لمن غلب)، وكانت النتيجة الطبيعية لذلك أن ظل عرش السلطنة على الدوام محل التنافس والمنازعات بين كبار الأمراء، لا سيما عندما يخلو العرش بسبب موت السلطان، وكان هذا هو الحال عندما مات عز الدين آيبك ولم يشأ ((سيف الدين قطز)) أن يتعجل الأمور ويواجه المنافسين، فأمسك بيده زمام السلطة الفعلية تاركاً للسلطان الصبي شعار السلطنة ولقبها .. ولا شيء أكثر من ذلك وبات عرش مصر قاب قوسين أو أدنى، ثم جاءت الفرصة تسعى إلى قطز، وكان سيف الدين قطز مشغولاً بترتيب الأوضاع السياسية الداخلية لصالحه (?)، على حين كانت الإشاعات تملأ سماء القاهرة بأن السلطان الصبي يريد خلع قطز مملوك أبيه وصاحب اليد البيضاء في توليه عرش البلاد، وإجتمع الأمراء في بيت أحد كبارهم، وتكلموا إلى أن نجحوا في إصلاح الأمور بين الملك المنصور علي وبين مملوك أبيه الأمير قطز، .. وخلع عليه وطيب قلبه وهكذا توطدت مكانة سيف الدين في الدولة (?)،
وفي الوقت نفسه كانت الأحوال متردية تماماً بسبب الفتن التي أثارتها طوائف المماليك في القاهرة، كما كان خطر محاولات الغزو الفاشلة التي قام بها المغيث عمر في ذي القعدة 655هـ/1257م وفي ربيع الأول سنة 656هـ/1258م يقلق باله، بحيث خرج في المرتين للقاء المماليك البحرية وحليفهم الأيوبي وبفضل شجاعة ((سيف قطز)) تم القضاء عل هذا الخطر الأيوبي بيد أنه كان على قطز أن يواصل ترتيب أمور المملكة في الداخل وبعد أن واجه الخطر الخارجي، فقد قبض على جماعة من الأمراء لميلهم إلى ((الملك المغيث عمر)) في هذا الشهر نفسه، وهم: الأمير ((عز الدين آيبك الرومي الصالحي))، والأمير ((سيف بلبان الكافوري الصالحي الأشرفي))، والأمير ((بدر الدين بكتوت الأشرفي))، والأمير ((بدر الدين بلغان الأشرفي)) وغيرهم، وضرب أعناقهم في السادس والعشرين من ربيع الأول واستولى على أموالهم كلها (?)، وبذلك إزدادت القامة السياسية لسيف الدين قظز طولاً، ولكن الدولة التي يحكمها سلطان في سن الصبى بدت واهنة ضعيفة وغير قادرة على تحمل مؤامرات الصغار ولعبهم بأقدار البلاد