أيبك ومسجد الغوري وغير ذلك (?)، وأما الذين لم يزوروا القاهرة، فبإمكانهم مشاهدة الآثار المملوكية في دمشق مثل الدراسة الظاهرية، والجقمقية التي بجوارها، وبين هذه وتلك يمكنهم مشاهدة نموذج رائع من نماذج العمارة المملوكية وهو المئذنة الغربية من مآذن الجامع الأموي التي أمر ببنائها السلطان قايتباي بعد حريق الجامع الأموي 884هـ وتم ذلك في بضعة شهور (?).
وفي ميدان الفكر قد امتاز العصر المملوكي بأنه عصر الموسوعات الكبرى في الآدب والتاريخ والتفسير والفقه والحديث وغيرها، ففي علوم الدين والفقه والحديث نجد الموسوعات الضخمة للإمام النووي وابن تيمية وابن رجب والبدر العيني وابن حجر، وفي التاريخ نجد اليونيني والبرزالي وابن كثير وابن خلدون وابن تغري بردي والنويري وفي الموسوعات العلمية نجد مسالك الأبصار، وصبح الأعشى، وخطط المقريزي وغيرها، وهؤلاء وأمثالهم حفظوا لنا التراث الإسلامي بالدرجة الأولى ثم زادوا عليه حتى أصبحنا اليوم نعرف أدق التفاصيل عن القاهرة في عصر المماليك، وهناك جانب آخر من الحضارة المملوكية لم يلتفت إليه الكثيرون ونعني به الجانب العسكري، ذلك أن الانتصارات المذهلة التي حققها المماليك على برابرة الشرق والغرب أي على المغول والصليبيين في غضون أربعة وأربعين عاماً فقط من سنة 658هـ ـ 702هـ فقد تحققت بسبب الشجاعة والعقيدة ونتيجة ازدهار ما يسمى بلغة اليوم بالصناعات الهندسية والعسكرية، التي مكنت المسلمين من تحرير قلعة عكا في فلسطين، وهو الفتح المبين الذي لم يكن في أهميته عن فتح القسطنطينية فيما بعد بشهادة الغربيين أنفسهم لقد كانت دولة المماليك من حيث طبيعتها إمتداداً طبيعياً للأيوبيين ولمن سبقهم من الملوك والسلاطين، فهي دولة عريقة الحضارة، أعجمية الحكام، تقود الجهاد الإسلامي في وجه الخطر الذي كان يتهدد المسلمين (?)، ومن الأوهام التي تأثر بها كثير من الباحثين هو أن تدمير المغول لبغداد عام 656هـ ـ 1258م كان نهاية الحضارة الإسلامية، ولذلك لا يتطرقون إلى ذكر شيء من إبداعات عصر المماليك وإنجازاته، وهذه فكرة خاطئة ووهم يتطلب الوقوف عنده كثيراً (?)، وسنجيب عنها بإذن