خاصة للتجارة العالمية، ورغم أنها احتفظت بذوقها الفني الرفيع، فإنها في مجال الإنتاج الفكري كانت من الطبقة الثانية (?)، ويصف بروكلمان هذا الإنتاج بأنه، إنتاج يكاد يكون خلواً من الأصالة والإبداع بالكلية (?)،
وثم إننا نجد أن عدداً من الباحثين العرب والمسلمين قد انساقوا وراء آراء المستشرقين، فأصيبوا بداء الإعجاب بهم، فانطلقت أكثر أحكامهم من حدود آراء المستشرقين، ولم تنطلق من دراسة علمية متخصصة وموضوعية، وهؤلاء الباحثين الذين ساروا على نهج المستشرقين، كفيليب حتى ابتعدت أحكامهم عن الموضوعية وجاءت مطلقة، كما ورد في رأي بروكلمان الذي جعل العصر المملوكي بطوله وعرضه خالياً من الإنتاج الأصيل المبدع بالكلية وقاصرة كما جاء في رأي جاستون فييت الذي وصل إلى رأي لا أظن أن أحداً من الباحثين يسمع له فيه عندما قصر الحياة الفكرية على مقدمة ابن خلدون وحدها في عصر امتد قرابة قرون ثلاثة، وخلَّف العشرات من العلماء الذين يُشار إليهم بالبنان ويعرفهم الصغير والكبير، لقد حاول غالبية المستشرقين أن يصفوا عصر المماليك بعصر الإنحطاط وتخلف وجمود بدافع من الجهل أو الحقد أو كليهما ثم تابعهم كالعادة بعض المؤرخين والعلماء المحسوبين على ثقافتنا وحضارتنا ورددوا هذه الأقاويل حتى وسموا عصر المماليك كله بالتخلف والإنحطاط والهجين والفوضى، والإنحلال، والواقع أن هذا الرأي الذي يؤيده غالبية المستشرقين ـ كما تتشدق به غالبية المستغربين من أهل المشرق ـ ينطلق من حقد الغربيين الدفين على المماليك الذين دمروا الصليبيين وأجلوهم عن الشام، كما دمروا حلفاؤهم المغول، وحفظوا لبلاد الشام والأماكن المقدسة فيها والحجاز إستقلالها قرابة ثلاثة قرون في فترة زمنية قياسية (?).
إن الحقائق التاريخية تثبت للباحثين المنصفين، بأن عصر المماليك لم يكن بحال من الأحوال عصر إنحطاط، بل هو الذي ظهرت فيه حضارة عظيمة في مختلف نواحي الحياة، لقد كان عصر المماليك هو العصر الذهبي في العمارة الإسلامية، وهذا يبدو اليوم بوضوح تام في القاهرة التي سميت بمدينة الألف مئذنة والتي تنتشر فيها الآثار المملوكية الهائلة بدءاً من البيمارستان المنصوري إلى جامع السلطان حسن، وخانقاه بيبرس الجاشنكير ومسجد الأمير