بالبقاء في تلك القلعة مع الفقر الشديد والحياة الصعبة وهو الملك الذي ملك بلاداً شاسعاً وأمولاً باهظة ولكن رضي بذلك لكي يفر وينجو بنفسه، وهذا مرض قلبي أخلاقي في الأساس، وما هي إلا أيام حتى مات محمد علاء الدين محمد خوارزمشاه في هذه الجزيرة وحيداً طريداً شريداً فقيراً، وصدق الله: "إينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة" النساء: آية، 78. كان الأولى للسلطان الخوارزمي أن يموت رافع الرأس ثابت الجأش، مطمئن القلب في ميدان الجهاد، وأن يموت مقبلاً لا مدبراً (?)، ولكنها الأنانية البغيضة والهزيمة النفسية التي أصيب بها ذلك السلطان الخوارزمي، لقد دب الرعب والخوف في قلبه من استبسال جنود المغول وحنكتهم في الحرب، وبعد عودته من سمرقند أخذ يشيد مراراً وتكراراً بثبات المغول في القتال ومعرفتهم بفنون الرماية والقتال بالسيف، وهو ما أخافه لدرجة أعجزته عن الصمود أمامهم، بل أن في فراره كان يحذر الأهالي من المغول ويدعوهم للتسليم لهم وطاعتهم، وكان لخوفه وفراره تأثير سيء على الجنود وأهالي البلاد، وأدى إلى انفراط عقد الجيش وضعف روح الدفاع والقتال والجهاد عند الأهالي (?)،
فهروب السلطان من الميدان من أسباب زوال الدولة الخوارزمية.
8 ـ شخصية جلال الدين منكبرتي: بعد أن رجع جنكيز خان إلى بلاده عاد جلال الدين من الهند، وكون في الجزء الغربي من أقاليم الدولة الخوارزمية حكومة مهيضة الجانب، ولم يكن في وسع هذا السلطان الذي ركز جهوده للانتقام من حكام البلاد المحيطة بدولته وعلى رأسهم الخليفة العباسي بسبب عدواتهم لأبيهم، والذي كان فوق ما تقدم على توسيع رقعة بلاده على حساب ما يجاورها من حكام البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، لم يكن في وسع هذا السلطان أن يعمل على توثيق روابط الود والإخاء بينه وبين هؤلاء الجيران، ولذلك قضى فترة من الوقت استطاع فيها، على قصرها، أن ينهك القوى الإسلامية ويضعفها، كما أثار نفور المسلمين منه وسخطهم عليه، فانفضوا من حوله، فضلاً عن هذا فإنه لم يحسب حساباً للمغول، الذين انصروفوا عنه وعن العالم الإسلامي إلى حين، بسبب تفرغهم لمشاكلهم الداخلية في ذلك الوقت، وكان الواجب على جلال الدين منكبرتي وقد عاد إلى بلاده وتربع على عرشها أن يستفيد من أخطاء أبيه وهفواته السياسية، فيعمل على اكتساب إرضاء جيرانه