ثالثها: هذا الحديث يُسْتَدَلُّ به بمسائل:
الأولى: أنَّ اليمينَ مُتَوَجِّهةٌ على كلِّ مَن ادُّعِي عليه حقٌّ، سواءٌ كان بينه وبين المُدَّعي اختلاط أم لا.
وقالت طائفة من العلماء: لا بد من خلطة لئلَّا يبتذل السُّفهاء أهل الفضل بتحليفهم مرارًا في اليوم الواحد، وهو مذهب الفقهاء السبعة، وبه قضى عليٌّ، وهو قول مالك وجل أصحابه، وأكثر الفقهاء على خلافه، ووافقهم ابن نافع، وابن لبابة -من أصحاب مالك رحمه الله-.
واختُلِفَ في تفسير الخلطة؛ هل هي معرفته بمعاملته ومداينته بشاهد أو بشاهدين، أو يكفي الشبهة، أو أن تليق به الدَّعوى بمثلها على مِثْلهِ، أو يليق به أن يعامل بمثلها؟ أقوال؛ ودليل الجمهور الحديث، ولا أصل لاشتراط الخلطة من كتاب ولا سنة ولا إجماع (?).
الثانية: إبطال التَدْمية -في قول مالك-، ووجه تسوية الشارع بين الدماء والأموال في أن المدعي لا يسمع قوله فيها؛ فإذا لم يسمع في مرضه: لي عند فلان في دينار أو درهم، كان أَحْرَى وأَوْلى ألا يسمع قوله: دمي عند فلان؛ لحرمة الدماء.
وقد يقال: إن مالكًا لم يسند ذلك لقول المدَّعِي ذلك؛ بل للقسامة على القتل والتدمية لَوْثٌ يُقَوِّي جانب المُدَّعِي حين يبدأ بالأيمان كسائر أنواع اللَّوْث (?).