ولما قتل ابنه إسماعيل -كما تقدم- وكان لقبه المؤيد، عهد بعده إلى ابنه أبي القاسم محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل بن عباد، ولقبه بـ المعتمد على الله؛ فحسنت سيرة أبي القاسم هذا في حياة أبيه وبعد وفاته.

أولية المرابطين في مَرَّاكُش

وفي إمارة المعتضد بالله هذا نزل لمتونة ومسوفة -قبيلتان عظيمتان من البربر- رحبة مراكش؛ فتخيروها دار ملكهم لتوسطها البلاد. وكانت إذ نزلوها غَيْضَة1 لا عمران بها، وإنما سميت بعبد أسود كان يستوطنها يخيف الطريق, اسمه مراكش. فاستوطنها البربر كما ذكرنا، وقدموا عليهم رجلًا منهم اسمه تاشُفين بن يوسف.

وكان المعتضد في كل وقت يستطلع أخبار العُدوة؛ هل نزل البربر رحبة مراكش؟ وذلك لما كان يراه في ملحمة كانت عنده أن هؤلاء القوم خالعوه أو خالعو ولده ومخرجوه من ملكه؛ فلما بلغه نزولهم جمع ولده وجعل ينظر إليهم مصعدًا ومصوبًا ويقول: يا ليت شعري من تناله معرة2 هؤلاء القوم، أنا أو أنتم؟ فقال له أبو القاسم من بينهم: جعلني الله فداك, وأنزل بي كل مكروه يريد أن ينزله بك! فكانت دعوة وافقت المقدار3.

وكان نزول لمتونة ومسوفة قبيلتي المرابطين رحبة مراكش، في صدر سنة 463، وانفصالهم عنها جملة واحدة في وسط سنة 540؛ فكانت مدة إقامتهم في الملك منذ نزلوا رحبة مراكش إلى أن انفصلوا عنها وأخرجهم عنها المصامدة، نحوًا من ست وسبعين سنة.

ثم توفي المعتضد بالله في شهر رجب من سنة 464، واختُلف في سبب وفاته، فقيل: إن ملك الروم سمه في ثياب أرسل بها إليه, وقيل: إنه مات حتف أنفه, فالله أعلم.

ولاية أبي القاسم بن عباد المعتمد على الله

ثم قام بالأمر من بعده, ابنه أبو القاسم محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل بن عباد؛ وزاد إلى المعتمد على الله: الظافر بحول الله. وكان المعتمد هذا يشبه بهارون الواثق بالله4 من ملوك بني العباس، ذكاء نفس وغزارة أدب. وكان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015