شعره كأنه الحُلل المنشرة. واجتمع له من الشعراء وأهل الأدب ما لم يجتمع لملك قبله من ملوك الأندلس. وكان مقتصرًا من العلوم على علم الأدب وما يتعلق به وينضم إليه. وكان فيه مع هذا من الفضائل الذاتية ما لا يحصى، كالشجاعة والسخاء والحياء والنزاهة، إلى ما يناسب هذه الأخلاق الشريفة. وفي الجملة فلا أعلم خصلة تحمد في رجل إلا وقد وهبه الله منها أوفر قسم، وضرب له فيها بأوفى سهم. وإذا عُدَّت حسنات الأندلس من لدن فتحها إلى هذا الوقت؛ فالمعتمد هذا أحدها، بل أكبرها.

ولي أمر إشبيلية بعد أبيه، وله سبع وثلاثون سنة. واتفقت له المحنة الكبرى بخلعه وإخراجه عن ملكه في شهر رجب الكائن في سنة 484؛ فكانت مدة ولايته إلى أن خُلع وأُسر عشرين سنة؛ كانت له في أضعافها مآثر أعيا على غيره جمعها في مائة سنة أو أكثر منها. وكانت له -رحمه الله- همة في تخليد الثناء وإبقاء الحمد.

عبد الجليل بن وَهْبُون الشاعر*

كان من جملة شعرائه رجل من أهل مدينة مُرْسِية اسمه عبد الجليل بن وهبون، كان حسن الشعر, لطيف المأخذ, حسن التوصل إلى دقيق المعاني؛ أنشد يومًا بين يدي المعتمد -رحمه الله- بعضُ الحاضرين بيتين لعبد الجليل بن وهبون هذا, قالهما قديمًا قبل وصوله إلى المعتمد، وهما: من البسيط

قل الوفاء, فما تلقاه في أحدٍ ... ولا يمر لمخلوقٍ على بالِ

وصار عندهم عنقاء مُغْرِبةً ... أو مثل ما حدثوا عن ألف مثقالِ! 1

فأُعجب المعتمد بهما وقال: لمن هذان البيتان؟ فقالوا: هما لعبد الجليل بن وهبون أحد خدم مولانا! فقال المعتمد عند ذلك: هذا والله اللؤم البحْت؛ رجل من خدامنا والمنقطعين إلينا يقول: أو مثل ما حدثوا عن ألف مثقال! وهل يتحدث أحد عنا بأسوأ من هذه الأحدوثة؟ وأمر له بألف مثقال. فلما دخل عليه يتشكر له قال له: يا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015