وكان له من الولد إسماعيل، وهو الأكبر، يُكنى أبا الوليد؛ وعباد, يكنى أبا عمرو؛ فأما إسماعيل فخرج إلى لقاء البربر بعد أن حدث لأبيه أمل في التغلب على ما كان البربر يملكونه من الحصون القريبة من إشبيلية، بعسكر من جند إشبيلية، فالتقى هو وصاحب صنهاجة؛ فأسلمت إسماعيلَ عساكرُه، وكان أول قتيل، وقطع رأسه وسِير به إلى مالقة، إلى إدريس بن علي الفاطمي، كما تقدم.
وبقي الأمر كذلك، والقاضي أبو القاسم يدبر الأمور أحسن تدبير، وكان صالحًا مصلحًا، إلى أن مات في شهور سنة 439.
ولاية المعتضد بالله العبادي
ثم ولي ما كان يليه بعده من أمور إشبيلية وأعمالها، ابنه أبو عمرو عباد بن محمد بن إسماعيل بن عباد، فجرى على سَنن أبيه في إيثار الإصلاح وحسن التدبير وبسط العدل، مدة يسيرة. ثم بدا له أن يستبد بالأمور وحده؛ وكان شهمًا صارمًا حديد القلب شجاع النفس بعيد الهمة ذا دهاء، وواتته مع هذا المقادير؛ فلم يزل يعمل في قطع هؤلاء الوزراء واحدًا واحدًا، فمنهم من قتله صبرًا، ومنهم من نفاه عن البلاد، ومنهم من أماته خمولًا وفقرًا، إلى أن تم له ما أراده من الاستبداد بالأمر، وتلقب بـ المعتضد بالله.
وقيل: إنه ادعى أنه وقع إليه هشام المؤيد بالله، ابن الحكم المستنصر بالله؛ وكان الذي حمله على تدبير هذه الحيلة ما رآه من اضطراب أهل إشبيلية، وخاف قيام العامة عليه؛ لأنهم سمعوا بظهور من ظهر من أمراء بني أمية بقرطبة، كالمستظهر، والمستكفي، والمعتد؛ فاستقبحوا بقاءهم بغير خليفة. وبلغه أنهم يطلبون من أولاد بني أمية من يقيمونه؛ فادعى ما ادعاه من ذلك، وذكر أن هشامًا عنده بقصره، وشهد له خواص من حشمه، وأنه في صورة الحاجب له المنفذ لأموره؛ وأمر بالدعاء له على المنابر. فاستمر ذلك من أمره سنين، إلى أن أظهر موته ونعاه إلى رعيته في سنة 455, واستظهر بعهدٍ عَهِدَه له هشام المذكور فيما زعم، وأنه الأمير بعده على جميع جزيرة الأندلس.
ولم يزل المعتضد هذا يدوخ1 الممالك وتدين له الملوك من جميع أقطار الأندلس، وكان قد اتخذ خُشبًا في ساحة قصره جللها2 برءوس الملوك والرؤساء