وإذ ذكرنا أحوال ملوك الأندلس المتغلبين عليها بعد الفتنة على ما شرطنا من الإجمال، فلنرجع إلى ذكر مملكة إشبيلية خصوصًا من جزيرة الأندلس، وذكر من ملكها, فبذلك يتصل نسق الأخبار عما نريده، ويتطرق لنا القول فيما نقصده؛ لأن ملك إشبيلية هو كان السبب في دخول يوسف بن تاشفين مع المرابطين الأندلس، على ما سيذكر إن شاء الله تعالى، فنقول:
أما أحوال إشبيلية فإنها كانت في طاعة الفاطميين، أعني: علي بن حمود، والقاسم بن حمود، ويحيى بن علي بن حمود، أيام كان الأمر دائرًا بينهم على ما تقدم ذكره؛ فلما زحف يحيى بن علي بالبرابر إلى قرطبة، وهرب القاسم بن حمود منها وقصد إشبيلية -وقد كان ابناه محمد والحسن مقيمين بها-اجتمع أمر أهل إشبيلية واتفق رأيهم على إخراج محمد والحسن عنها قبل وصول القاسم أبيهما؛ فأخرجوهما. وجاء القاسم فمنعوه دخول البلد أيضًا، واتفقوا على تقديم رجل منهم يرجع إليه أمرهم وتجتمع به كلمتهم؛ فتوارد اختيارهم بعد مَخْض الرأي وتنقيح التدبير، على القاضي أبي القاسم محمد بن إسماعيل بن عباد اللخمي؛ لما كانوا يعلمونه من حصافة عقله، وسعة صدره، وعلو همته، وحسن تدبيره؛ فعرضوا عليه ما رأوه من ذلك، فتهيب الاستبداد، وخاف عاقبة الانفراد أولًا، وأبى ذلك إلا على أن يختاروا له من أنفسهم رجالًا سماهم؛ لكي يكونوا له أعوانًا ووزراء وشركاء، ولا يقطع أمرًا دونهم، ولا يحدث حدثًا إلا بمشورتهم -وهؤلاء المسمون هم: الوزير أبو بكر محمد بن الحسن الزُّبَيْدي1، ومحمد بن يريم الألهاني، وأبو الأصبغ عيسى بن حجاج الحضرمي، وأبو محمد عبد الله بن علي الهوزني، في رجال آخرين ذهبت عني أسماؤهم إلا أني أعرف قبائلهم وبيوتهم- ففعلوا ذلك وأجابوه إلى ما أراد. ولم يزل يدبر أمر إشبيلية, وهؤلاء المذكورون وزراؤه.