الموشحات في الكتب المجلدة المخلدة لأوردتُ له بعض ما بقي على خاطري من ذلك.
رجع القول إلى ملوك الطوائف
ثم رجع بنا القول إلى ذكر أحوال الأندلس؛ فهؤلاء الرؤساء الذين ذكرنا أسماءهم هم الذين ملكوا الأندلس بعد الفتنة وضبطوا نواحيها؛ واستبد كل رئيس منهم بتدبير ما تغلب عليه من الجهات، وانقطعت الدعوة للخلافة وذكر اسمها على المنابر؛ فلم يذكر خليفة أموي ولا هاشمي بقطر من أقطار الأندلس، خلا أيام يسيرة دعي فيها لهشام المؤيد بن الحكم المستنصر بمدينة إشبيلية وأعمالها، حسبما اقتضته الحيلة واضطر إليه التدبير، ثم انقطع ذلك حسبما يأتي بيانه إن شاء الله تعالي، فأشبهت حال ملوك الأندلس بعد الفتنة حال ملوك الطوائف من الفرس بعد قتل دارا بن دارا.
ولم يزالوا كذلك وأحوال الأندلس تضعف وثغورها تختل، ومجاوروها من الروم تشتد أطماعهم ويقوى تشوفهم؛ إلى أن جمع الله الكلمة، ورَأَب الصدع، ونَظَم الشمل، وحسم الخلاف، وأعز الدين، وأعلى كلمة الإسلام، وقطع طمع العدو، بيمن نقيبة أمير المسلمين وناصر الدين أبي يعقوب يوسف بن تاشفين اللمتوني -رحمه الله-. ثم استمر على ذلك ابنه علي، وأعادا إلى الأندلس معهود أمنها وسالف نضارة عيشها؛ فكانت الأندلس في أيامهما حرمًا آمنًا. وأول دعاء دعي للخلافة العباسية -أبقاها الله- على منابر الأندلس في أيامهما. ولم تزل الدعوة العباسية وذكر خلفائها على منابر الأندلس والمغرب إلى أن انقطعت بقيام ابن تُومَرْت1 مع المصامدة في بلاد السُّوس2، على ما يأتي بيانه إن شاء الله عز وجل.