وسمعته -من شدة إنصافه رحمه الله- يستحسن بيتين هجاه بهما صاحبنا علي بن خَرُوف رحمه الله1؛ وذلك أن الأستاذ -رحمه الله وعفا عنه- كان يلقب بـ الوَزَغِيّ، وكان عنده شاب يقرأ عليه يلقب بـ الغُرْنُوق -وهو اسم عندهم للكُركي، والفصيح فيه غِرْنيق2- فكان بعض الطلبة يتهمون الأستاذ بالميل إلى ذلك الشاب؛ وذلك خلق قد أعاذه الله منه ونزهه بفضله عنه؛ فقال ابن خروف في ذلك، سامحه الله: من الوافر
أحقًّا سامَّ أبرصَ ما سمعنا ... بأنك قد تعشقتَ ابن ماءِ3
وكيف وأنت في الحيطان تمشي ... وذاك يطير في جو السماءِ
فأبعده الأستاذ -رحمه الله- وأنهى خبره إلى القاضي أبي الوليد بن رشد، فأوجعه ضربًا؛ وامتنع الأستاذ من قراءته عليه؛ فحرمه الله بهذين البيتين فوائد علمه، وأبعده عن مَرِيع جَنابه4، وولاه الأستاذ خطته، وألقى حبله على غاربه5؛ فلم يفلح ابن خروف بعدها، ولا حصل على شيء من العلم؛ وإنما كان يعتمد فيما يأتي به على طبعه خاصة.
وقد امتد بنا عنان القول إلى ما لا حاجة لنا بأكثره؛ رغبةً في تنشيط الطالب وإيثارًا للإحماض6؛ ولنرجع الآن إلى ما قطعنا:
اليهود في عهد أبي يوسف
وفي آخر أيام أبي يوسف أمر أن يميز اليهود الذين بالمغرب بلباس يختصون به دون غيرهم؛ وذلك ثياب كُحلية وأكمام مفرطة السعة تصل إلى قريب من أقدامهم، وبدلًا من العمائم كلوتات على أشنع صورة كأنها البراديع7 تبلغ إلى تحت آذانهم؛ فشاع هذا الزي في جميع يهود المغرب؛ ولم يزالوا كذلك بقية أيامه وصدرًا من أيام