بين الرياض وبين الجو معترَك ... بِيضٌ من البرق أو سُمْرٌ من السمرِ1
إن أوترتْ قوسَها كفُّ السماء رمت ... نَبْلًا من الماء في زغف من الغُدُرِ2
لأجل ذاك إذا هبت طلائعها ... تدرع النهر واهتزت قَنَا الشجرِ3
فانظر -حفظك الله- إلى حسن توطئته لهذا المعنى, وقوة تخلصه إلى هذا التشبيه بأحسن لفظ, وأسهله على السمع والنطق.
واستأذنت عليه يومًا وهو في مجلس له؛ فلم ير -رحمه الله- أن يحجبني؛ فاسترفع ما كان لديه وأذن لي؛ فدخلت؛ فتلقاني أحسن لقاء، وأخذ يحدثني؛ وفهمت أنه مستحٍ خجِل, إذ عرف أني تفطنت لبعض الأمر، فأنشدته رافعًا عنه كلفة الخجل لبعض الشعراء: من الطويل
أَدِرْها فما التحريم فيها لذاتها ... ولكن لأسباب تضمنها السُّكْرُ
إذا لم يكن سكر يزلُّ به الفتى ... فسيَّانِ ماءٌ في الزجاجة أو خمرُ!
فطرب -نضر الله وجهه- وعاوده أنسه وانبسط، ثم سكت عني ساعة واستدعى الدواة وكتب بديهًا في قريب من المعنى الذي أنشدته فيه: من البسيط
ما ضرت الخمر لولا الشرع يشربها ... قوم حديثهمو همس التسابيحِ4
ليسوا برُعش إذا أدوا فروضهمو ... عند القيام ولا ميل مراجيحِ5
بيتٌ كبيت وفيه شادن سدِنٌ ... مزج الكئوس به وَقْدُ المصابيحِ6
وأنشدني بعد هذا لنفسه، في هذا المجلس، من قديم شعره، مقطوعة سينية لم أسمع بأحسن منها؛ لم يبق على خاطري منها سوى آخر بيت فيها، وهو: من الطويل
ولكن قومًا لا يغيب نهارهم ... إذا غربت شمس يديرونها شمسَا