من كل وَطْفَاء لَفَّاء الرَّباب هَمَتْ ... ماء نقيًّا على زُغْفٍ نقياتِ1
قل: كيف لا يفتح الله البلاد وقد ... تفتحت لك أبواب السماواتِ
فاشتهر من يومئذٍ أبو عبد الله هذا وعرف مكانه ونبه قدره؛ وله إحسان كثير وقدم راسخة في صناعتي النظم والنثر، مع تحقق بشيء من أجزاء الفلسفة من علوم التعاليم وعلم المنطق؛ أنشدني -رحمه الله- من شعره: من الكامل
قف بالقباب وأين ذاك الموقف ... واسألهم بمَأَمِّهم أن يعطفُوا2
وأنشد فؤادك إن عرفت مكانه ... بين القباب وما إخالك تعرفُ
عند التى رمتِ الجمار غُديَّةً ... وبنانها بدم القلوب مطرفُ3
نفسي الفداء لها وإن لم تبق لي ... نفسًا تذكرني بها وتعرفُ
وهي قصيدة طويلة لم يبق تقادم العهد منها على خاطري سوى ما أوردته.
وأنشدته -رحمه الله- يومًا ونحن في قبة على شاطئ نهر وقد أخذ المطر في الانسكاب، بيتين أحفظهما لشاعر قديم: من المنسرح
حاكت يمين الرياح محكمة ... في نهر واضح الأساريرِ4
فكلما ضعَّفَتْ به حَلقًا ... قام لها القطر بالمساميرِ5
فاستحسنهما وقال لي: ذكرتني هذا المعنى؛ وأنشدني فيه لنفسه أبياتًا ما سمعت بمثلها؛ هذا على إكثار الناس في هذا المعنى وتواردهم6 عليه حتى صار أخلق7 من الليل والنهار, من كثرة تكراره على الأسماع، فلا يتخلص منه إلا من لطف حسه وجاد طبعه وحسن مَيْزه8؛ والأبيات: من البسيط