تينمل يومًا عظيمًا؛ اتصل التكبير من كل جهة، وجاء النساء يُوَلْوِلْنَ ويضربْنَ بالدفوف، ويقلْنَ ما معناه بلسانهم: صدق مولانا المهدي! نشهد أنه الإمام حقًّا!.
فأخبرني من رأى أمير المؤمنين أبا يوسف حين رأى ذلك يتبسم استخفافًا لعقولهن؛ لأنه لا يرى شيئًا من هذا كله، وكان لا يرى رأيهم في ابن تومرت؛ فالله أعلم.
أخبرني الشيخ الصالح أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن مطرف المري ونحن بحِجْر الكعبة قال: قال لي أمير المؤمنين أبو يوسف: يا أبا العباس، اشهد لي بين يدي الله عز وجل أني لا أقول بالعصمة -يعني عصمة ابن تومرت-. قال: وقال لي يومًا وقد استأذنته في فعل شيء يفتقر إلى وجود الإمام: يا أبا العباس، أين الإمام ... ؟ أين الإمام ... ؟.
أخبرني شيخ ممن لقيته من أهل مدينة جيان من جزيرة الأندلس، يسمى أبا بكر بن هانئ، مشهور البيت هناك؛ لقيته وقد علت سنه فرويت عنه، قال لي: لما رجع أمير المؤمنين من غزوة الأرك -وهي التي أوقع فيها بالأدفنش وأصحابه- خرجنا نتلقاه؛ فقدمني أهل البلد لتكليمه، فرفعت إليه، فسألني عن أحوال البلد وأحوال قضاته وولاته وعماله -على ما جرت عادته- فلما فرغت من جوابه، سألني كيف حالي في نفسي؛ فتشكرت له ودعوت بطول بقائه؛ ثم قال لي: ما قرأت من العلم؟ قلت: قرأت تواليف الإمام -أعني ابن تومرت- فنظر إلي نظرة المغضب، وقال: ما هكذا يقول الطالب! إنما حكمك أن تقول: قرأت كتاب الله، وقرأت شيئًا من السنة؛ ثم بعد هذا قل ما شئت. في أضراب1 لهذه الحكايات لو أوردناها لطال بها هذا التلخيص.
اهتمامه بالتشييد والبناء
وكان عند رجوعه من السفرة التي استنقذ فيها مدينة شلب من أيدي الروم على ما تقدم، أمر أن يبنى له على النهر الأعظم -نهر إشبيلية- حصن؛ وأن تبنى له في ذلك الحصن قصور وقباب، جاريًا في ذلك على عادته من حب البناء وإيثار التشييد -فإنه كان مهتمًّا بالبناء، وفي طول أيامه لم يخل من قصر يستجِدُّه أو مدينة يعمُرُها؛ زاد في مدينة مراكش في أيامه زيادة كثيرة يطول تفصيلها-فتمت له هذه القصور المذكورة على ما أراد وفوقه؛ وسمى ذلك الحصن حصن الفَرَجِ.