أنشدته يومًا لشاعر من أصحابنا من أهل إشبيلية: من البسيط
وقائل: فِيمَ لم تهجع؟ فقلت له: ... كيف الهجوع لطرف نافر الوَسَنِ1
لم تدر أن الكَرَى الممنوع عن بصري ... هي السِّنات التي في مقلتي حسنِ2
فضحك وقال: لقد حوَّم3 هذا الشاعر وما ورد، ورفرف فما طار، وأراد غاية فوقع دونها؛ ولله من أثار هذا المعنى بأوجز لفظ وأسهل مأخذ وأيسر كلفة حيث يقول: من الطويل
أعيدوا صباحي فهو عند الكواعب ... وردوا رُقادي فهو لَحْظ الحبائبِ4
قلت: هو أبو الطيب. قال لي: نعم، هو الطيب أبو الطيب.
وأنشدته يومًا -وقد جرى ذكر التجنيس اللفظي5، فأنشد هو منه وأكثر-: من الطويل
إذا صال ذو ود بود صديقه ... فيا أيها الخِلُّ المصاحب لي صُلْ بِي6
فإني مثل الماء لينًا لصاحبي ... وناهيك للأعداء من رجل صُلْبِ
فاستحسنهما وكتبهما عنده، وقال لي رحمه الله: لك علي بهذين البيتين حق؛ فما وافقني شيء من الشعر في هذا المعنى ولا في غيره ولا وقع مني موقعهما.
وفي الجملة كان له شغف بالآداب شديد، وكان يقرض شيئًا من الشعر، وربما ندرت له الأبيات الجيدة؛ سألته أن يكتب لي شيئًا من شعره أو ينشدنيه، فأبى علي كل الإباء، وحلف لا يفعل ...
أبو يوسف وعقيدة العامة في ابن تومرت
وخرج أمير المؤمنين أبو يوسف إلى تينمل للزيارة ومعه هؤلاء الغز المذكورون، فقعدوا تحت شجرة خروب مقابلة للمسجد؛ وقد كان ابن تومرت قال لأصحابه فيما قال لهم ووعدهم به: لِيُبصرن منكم من طالت حياته أمراء أهل مصر مستظلين بهذه الشجرة قاعدين تحتها! فلما جلس الغز على الصفة المتقدمة تحتها كان ذلك اليوم في