الصيف والشتاء؛ فإذا نقه المريض1 فإن كان فقيرًا أمر له عند خروجه بمال يعيش به ريثما يستقل2، وإن كان غنيًّا دفع إليه ماله وترك وسببه، ولم يقصره على الفقراء دون الأغنياء، بل كل من مرض بمراكش من غريب حمل إليه وعولج إلى أن يستريح أو يموت. وكان في كل جمعة بعد صلاته يركب ويدخله، يعود المرضى ويسأل عن أهل بيت أهل بيت، يقول: كيف حالكم؟ وكيف القَوَمة3 عليكم؟ إلى غير ذلك من السؤال، ثم يخرج؛ لم يزل مستمرًّا على هذا إلى أن مات -رحمه الله-.
مماليك الغُزِّ المصريون في المغرب
وفي أول ولايته -إما سنة 83 أو 82- ورد علينا البلاد الغز4 من مصر؛ وكان فيمن ورد علينا مملوك يسمى قَرَاقُش، ذكروا أنه كان مملوكًا لتقي الدين ابن أخي الملك الناصر، ورجل يسمى شعبان، ذكروا أنه من أمراء الغز، ومن أجناد المصريين رجل يعرف بالقاضي عماد الدين، في آخرين. فأحسن نزلهم، وبالغ في تكرمتهم، وجعل لهم مزية ظاهرة على الموحدين؛ وذلك أن الموحدين يأخذون الجامكية ثلاث مرات في كل سنة، في كل أربعة مرة؛ وجامكية الغز مستمرة في كل شهر لا تختل، وقال: الفرق بين هؤلاء وبين الموحدين أن هؤلاء غرباء لا شيء لهم في البلاد يرجعون إليه سوى هذه الجامكية، والموحدون لهم الأقطاع والأموال المتأصلة5. هذا مع أنه أقطع أعيانهم أقطاعًا كأقطاع الموحدين أو أوسع؛ أقطع رجلًا منهم فيما أعرف، من أهل إربل، يعرف بـ أحمد الحاجب، مواضع ليس لأحد من قرابته مثلها؛ وأقطع شعبان المذكور بالأندلس قرى كثيرة تغل6 في كل سنة نحوًا من تسعة آلاف دينار، هذا خارجًا عن جامكيتهم الكثيرة التي ليس لأحد من الأجناد غيرهم مثلها.
ولم يرد المغرب من هذه الطائفة -أعني الغز- ألطف حسًّا ولا أزكى نفسًا ولا أحسن محاضرة ولا أطيب عشرة من شعبان هذا المذكور؛ ما لقيته إلا استنشدني أو أنشدني.