عن قتيبة بن مسلم1 والي خراسان حين لقي الترك وكان في جيشه أبو عبد الله محمد بن واسع؛ فجعل يكثر السؤال عنه، فأخبر أنه في ناحية من الجيش متكئًا على سِيَة قوسه2 رافعًا إصبعه إلى السماء يُنَضْنِض3 بها؛ فقال قتيبة: لإصبعُهُ تلك أحب إلي من عشرة آلاف سيف!.
ولما رجع أمير المؤمنين أبو يوسف من وجهه هذا، أمر لهؤلاء القوم بأموال عظيمة، فقبل منهم من رأى القبول، ورد من رأى الرد؛ فتساوى عنده -رضي الله عنه- الفريقان، وقال: لكل مذهب؛ ولم يزد هؤلاء ردهم ولا نقص أولئك قبولهم.
وكان كثير الصدقة؛ بلغني أنه تصدق قبل خروجه إلى هذه الغزوة -أعني التي كانت فيها الوقعة الكبرى- بأربعين ألف دينار، خرج منها للعامة نحو من نصفها، والباقى في القرابة؛ أدركتهم وقد قسموا مدينة مراكش أرباعًا، وجعلوا في كل ربع أمناء معهم أموال يتحرون بها المساتير وأرباب البيوتات. وكان كلما دخلت السنة يأمر أن يكتب له الأيتام المنقطعون، فيجمعون إلى موضع قريب من قصره، فيُختنون 4 ويأمر لكل صبي منهم بمثقال وثوب ورغيف ورمانة. وربما زاد على المثقال درهمين جديدين؛ هذا كله شهدته لا أنقله عن أحد من الناس.
وبنى بمدينة مراكش بيمارستانًا ما أظن أن في الدنيا مثله؛ وذلك أنه تخير ساحة فسيحة بأعدل5 موضع في البلد، وأمر البنائين بإتقانه على أحسن الوجوه؛ فأتقنوا فيه من النقوش البديعة والزخاريف المحكمة ما زاد على الاقتراح؛ وأمر أن يغرس فيه مع ذلك من جميع الأشجار المشمومات والمأكولات، وأجرى فيه مياهًا كثيرة تدور على جميع البيوت، زيادة على أربع برك في وسطه، إحداها رخام أبيض؛ ثم أمر له من الفُرُش النفيسة من أنواع الصوف والكتان والحرير والأديم وغيره بما يزيد على الوصف، ويأتي فوق النعت. وأجرى له ثلاثين دينارًا في كل يوم برسم الطعام وما ينفق عليه خاصة، خارجًا عما جلب إليه من الأدوية. وأقام فيه من الصيادلة لعمل الأشربة والأدهان والأكحال؛ وأعد فيه للمرضى ثياب ليل ونهار للنوم، من جهاز