بجزيرة ميورقة من فَلِّ لمتونة وبقاياهم؛ فكان يحسن إليهم ويصلهم حسب طاقته.

وأقبل على الغزو، وصرف عنايته إليه؛ فلم يكن له هم غيره؛ فكان له في كل سنة سفرتان إلى بلاد الروم، يغنم ويسبي وينكي1 في العدو أشد نكاية، إلى أن امتلأت أيدي أصحابه أموالاً؛ فقوي بذلك أمره، وتشبه بالملوك. ولم يزل هذه حاله إلى أن توفي في سنة 79، وفي أولها وفي آخر أيام أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن.

وكان يراسل الموحدين ويهاديهم ويهادنهم ويختصهم من كل ما يسبي ويغنم بنفيسه وجيده؛ يشغلهم بذلك عنه، مع احتقارهم لأمر تلك الجزيرة، وقلة التفاتهم إليها. فلما كان في شهور سنة 578 والوا إليه الكتب يدعونه إلى الدخول في طاعتهم والدعاء لهم على المنابر، ويتوعدونه على ترك ذلك؛ فوعدهم ذلك واستشار وجوه أصحابه، فاختلفوا عليه؛ فمن مشير عليه بالامتناع بمكانه، وحاض له على الدخول فيما دعوه إليه؛ فلما رأى اختلافهم أرجأ الأمر إلى أن ينظر ...

وخرج إلى بلاد الروم غازيًا، فاستشهد -رحمه الله- هناك؛ وقيل: إنه طعن طعنة في حلقه لم يمت منها مكانه, وإنما جيء به حيًّا حتى أدخل قصره فمات فيه، فالله أعلم2.

وكان له من الولد: علي -وهو أكبر ولده والقائم بأمره من بعده- وعبد الله, ويحيى، وأبو بكر، وسير، وتاشفين، ومحمد، والمنصور، وإبراهيم؛ توفي إبراهيم هذا بدمشق حين كان نازلا بها على السلطان الملك العادل.

علي بن إسحاق

ولما توفي أبو إبراهيم إسحاق بن محمد المذكور، قام بالأمر من بعده ابنه علي بعهد أبيه إليه، وخرج بأسطول ميورقة إلى العدوة، وقصد مدينة بجاية حين راسله جماعة من أعيانها -على ما يقال- يدعونه إلى أن يملكوه، ولولا ذلك لم يجسر على الخروج. ومما جرأه أيضًا كون الموحدين بالأندلس، وسماعه خبر موت أبي يعقوب واشتغالهم ببيعة أبي يوسف، وظن أن الأمر سيضطرب وأن الخلاف سينشأ، فكان هذا أيضًا مما أعانه على الخروج. ولولا هذه الأسباب التي ذكرنا لم يجسر على الخروج ...

فقصد ساحل بجاية فنزل به، فقاتله أهلها قتالًا غير كثير، ثم دخلها؛ وكان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015