وهو الأكبر، فكان حسنة من حسنات الدهر، اجتمع له من المناقب ما افترق في كثير من الناس؛ فمنها أنه كان رجلاً صالحًا شديد الخوف لله -عز وجل- والتعظيم له والاحترام للصالحين؛ هذا مع علو قدم في الفقه واتساع رواية للحديث. وكان مع هذا شجاعًا فارسًا، إذا ركب عد وحده بخمسمائة فارس. وكان علي بن يوسف يعده للعظائم ويستدفع به المهمات، وأصلح الله على يديه كثيرًا من جزيرة الأندلس، ودفع به عن المسلمين غير مرة مكاره قد كانت نزلت بهم. كان أمير المسلمين ولاه مدينة بلنسية، ثم عزله عنها وولاه قرطبة؛ فلم يزل بها واليًا إلى أن مات -رحمة الله عليه- أول الفتنة الكائنة على المرابطين. لا أعلم له عقبًا.

محمد بن غَانِيَة

وكان أخوه محمد واليًا من قبله على بعض أعمال قرطبة، فلما مات اضطرب أمر محمد هذا، وبقي يجول في بلاد الأندلس والفتنة تتزيَّد، ودعوة المصامدة تنتشر. فلما اشتد خوف محمد هذا أتى مدينة دانية فعبر منها إلى جزيرة ميورقة في حشمه وأهل بيته، فملكها والجزيرتين اللتين حولها: مُنُرقة، ويابسة. ويقال: إن أمير المسلمين علي بن يوسف نفاه إليها على طريق السجن بها، فالله أعلم.

وهذه الجزيرة -أعني ميورقة- أخصب الجزر أرضًا، وأعدلها هواء، وأصفاها جوًّا؛ طولها وعرضها نحو من ثلاثين فرسخًا، اتفق أهلها على أنهم لم يروا فيها شيئًا من الهوام المؤذية قط منذ عمرت، من ذئب أو سَبُع أو حية أو عقرب، إلى غير ذلك مما يخشى ضرره. ويجاورها بالقرب منها جزيرتان تقربان منها في الخصب، تسمى إحداهما منرقة، والأخرى يابسة، وقد تقدم ذكرهما.

... فاستقل محمد بمملكة هذه الجزر، وضبطها لنفسه، وأقام فيها جاريًا على أمر لمتونة الأول: يدعو لبني العباس. وكان له من الولد: عبد الله، وإسحاق، والزبير، وطلحة؛ وبنات.

فعهد في حياته إلى أكبر ولده، عبد الله؛ فنفس1 ذلك عليه أخوه إسحاق، ودخل عليه في جماعة من الجند وعبيد له فقتله -قيل: في حياة أبيه، وقيل: بعد وفاته- وتوفي عبد الله المذكور.

إسحاق بن محمد

واستقل أبو إبراهيم بالملك استقلالا حسنًا، وحسنت حاله، وكثر الداخلون عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015