في الطبيعيات رسالة سماها رسالة: حي بن يقظان, غرضه فيها بيان مبدإ النوع الإنساني على مذهبهم، وهي رسالة لطيفة الجِرْم1, كبيرة الفائدة في ذلك الفن. ومن تصانيفه في الإلهيات رسالة في النفس رأيتها بخطه -رحمه الله-. وكان قد صرف عنايته في آخر عمره إلى العلم الإلهي ونبذ ما سواه. وكان حريصًا على الجمع بين الحكمة والشريعة، معظمًا لأمر النبوات ظاهرًا وباطنًا، هذا مع اتساع في العلوم الإسلامية.

وبلغني أنه كان يأخذ الجامكية مع عدة أصناف من الخَدَمة، من الأطباء والمهندسين والكتاب والشعراء والرماة والأجناد، إلى غير هؤلاء من الطوائف. وكان يقول: لو نفق عليهم علم الموسيقى لأنفقته عندهم! وكان أمير المؤمنين أبو يعقوب شديد الشغف به والحب له؛ بلغني أنه كان يقيم في القصر عنده أيامًا ليلًا ونهارًا لا يظهر. وكان أبو بكر هذا أحد حسنات الدهر في ذاته وأدواته؛ أنشدني ابنه يحيى بمدينة مراكش سنة 603 من شعر أبيه -رحمه الله-: من الطويل

أَلَمَّتْ وقد نام المُشيح وهوَّما ... وأسرت إلى وادي العقيق من الحِمَى2

وجرَّت على تُرْب المحصَّب ذيلها ... فما زال ذاك الترب نهبًا مقسمَا3

تناوله أيدي التجار لطيمة ... ويحمله الداري أيان يممَا4

ولما رأت أن لا ظلام يجنها ... وأن سُراها فيه لن يتكتمَا5

نَضَت عَذَبات الرَّيط عن حر وجهها ... فأبدت مُحَيَّا يدهش المتوسمَا6

فكان تجليها حجاب جمالها ... كشمس الضحى يعشى بها الطرْف كُلَّمَا7

ولما التقينا بعد طول تهاجر ... وقد كاد حبل الود أن يتصرَّمَا8

طور بواسطة نورين ميديا © 2015