فكان يعيرني إياها في غرائر1: أحمل غِرارة وأجيء بغرارة؛ من كثرتها عنده، فأخبرني في بعض الأيام أنه عدِم تلك الكتب بجملتها، فسألته عن السبب الموجب لذلك، أسر إليَّ أن خبرها أُنهي إلى أمير المؤمنين، فأرسل إلى داري وأنا في الديوان لا علم عندي بذلك؛ وكان الذي أرسل كافور الخصي مع جماعة من العبيد الخاصة، وأمره ألا يروع أحدًا من أهل الدار، وألا يأخذ سوى الكتب، وتوعده والذين معه أشد الوعيد إن نقص أهل البيت إبرة فما فوقها. فأخبرت بذلك وأنا في الديوان؛ فظننته يريد استصفاء أموالي، فركبت وما معي عقلي، حتى أتيت منزلي، فإذا الخصي كافور الحاجب واقف على الباب والكتب تخرج إليه. فلما رآني وتبين ذعري قال لي: لا بأس عليك! وأخبرني أن أمير المؤمنين يسلم علي، وأنه ذكرني بخير! ولم يزل يبسطني حتى زال ما في نفسي؛ ثم قال لي: سل أهل بيتك هل راعهم أحد أو نقصهم شيء من متاعهم؟ فسألتهم، فقالوا: لم يرعنا أحد ولم ينقصنا شيء، جاء أبو المسك2 حتى استأذن علينا ثلاث مرات، فأخلينا له الطريق، ودخل هو بنفسه إلى خزانة الكتب فأمر بإخراجها. فلما سمعت هذا القول منهم زال ما كان في نفسي من الروع.
وولوه بعد أخذهم لهذه الكتب منه ولاية ضخمة ما كان يحدث بها نفسه.
ولم يزل يجمع الكتب من أقطار الأندلس والمغرب، ويبحث عن العلماء، وخاصة أهل علم النظر، إلى أن اجتمع له منهم ما لم يجتمع لملك قبله ممن ملك المغرب.
أبو بكر بن طُفَيْل*
وكان ممن صحبه من العلماء المتفننين، أبو بكر محمد بن طفيل، أحد فلاسفة المسلمين. كان متحققًا بجميع أجزاء الفلسفة؛ قرأ على جماعة من المتحققين بعلم الفلسفة، منهم أبو بكر بن الصائغ المعروف عندنا بابن باجَّة3 وغيره. ورأيت لأبي بكر هذا تصانيف في أنواع الفلسفة من الطبيعيات والإلهيات وغير ذلك. فمن رسائله