بين المنزلتين والفصل ما بين المبيتين! ثم قام فتوضأ وصلى ركعتين شكرًا لله عز وجل. وجدت هذه الحكاية بخط رجل من ولد ولد عبد المؤمن؛ من اسمه موسى بن يوسف بن عبد المؤمن.

وبدا له في هذا الوجه أن يمر على القرية التي تسمي تاجرا -وبها كان مولده كما تقدم- لزيارة قبر أمه وصلة من هناك من ذوي رحمه؛ فلما أطل عليها والجيوش قد انتشرت بين يديه وقد خفقت على رأسه أكثر من ثلاثمائة راية ما بين بنود وألوية، وهزت أكثر من مائتي طبل -وطبولهم في نهاية الكبر وغاية الضخامة، يخيل لسامعها إذا ضربت أن الأرض من تحته تهتز ويحس قلبه يكاد يتصدع من شدة دَوِيِّها- فخرج أهل القرية للقائه والتسليم عليه بالخلافة؛ فقالت امرأة عجوز من عجائز القرية، ممن كانت تصحب أمه: هكذا يعود الغريب إلى بلده! تقول ذلك رافعة صوتها ...

وفاء وفداء

ونازع عبدَ المؤمن الأمرَ قومٌ من قرابة ابن عبد الله يعرفون بأيِت ومَغار -معناه بالعربية: بنو ابن الشيخ- وانتهوا في ذلك إلى أن أجمع رأيهم ورأي من وافقهم على سوء صنيعهم على أن يدخلوا على عبد المؤمن خباءه ليلا فيقتلوه؛ وظنوا أن ذلك يخفى من أمرهم، وأن عبد المؤمن إذا فُقد ولم يُعلم من قتله صار الأمر إليهم؛ لأنهم أحق به؛ إذ كانوا أهل الإمام وقرابته وأولى الناس به، فأعلم بما أرادوه من ذلك رجل من أصحاب ابن تومرت، من خيارهم، اسمه إسماعيل بن يحيى الهزرجي؛ فأتى عبد المؤمن فقال له: يا أمير المؤمنين، لي إليك حاجة! قال: وما هي يا أبا إبراهيم؟ فجميع حوائجك عندنا مقضية! قال: أن تخرج عن هذا الخباء وتدعني أبيت فيه! ولم يعلمه بمراد القوم؛ فظن عبد المؤمن أنه إنما يستوهبه الخباء؛ لأنه أعجبه, فخرج عنه وتركه له؛ فبات فيه إسماعيل المذكور؛ فدخل عليه أولئك القوم فتولوه بالحديد حتى برد. فلما أصبحوا ورأوا أنهم لم يصيبوا عبد المؤمن؛ فروا بأنفسهم حتى أتوا مراكش وراموا القيام بها؛ فأتوا البوابين الذين على القصور فطلبوا منهم المفاتيح، فأبوا عليهم؛ فضربوا عنق أحدهم وفر باقيهم؛ وكادوا يغلبون على تلك القصور. ثم إن الناس اجتمعوا عليهم، من الجند وخاصة العبيد، فقاتلوهم قتالا شديدًا من لدن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. ثم إن العبيد غلبوهم على أمرهم؛ ولم يزل الناس يتكاثرون عليهم إلى أن أُخذوا قبضًا باليد, فقُيدوا وجُعلوا في السجن إلى أن وصل أبو محمد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015