فيمن استنفره العرب الذين كانوا ببلاد يحيى بن العزيز، وهم قبائل من هلال بن عامر، خرجوا إلى البلاد حين خلى بنو عبيد بينهم وبين الطريق إلى المغرب؛ فعاثوا في القيروان عيثًا1 شديدًا أوجب خرابها إلى اليوم، ودوخوا مملكة بني زيري بن مَنَاد، وهذا بعد موت المعز بن باديس2؛ فانتقل تميم إلى المهدية. وسار هؤلاء العرب حتى نزلوا على المنصور بن المنتصر؛ فصالحهم على أن يجعل لهم نصف غلة البلاد، من تمرها وبُرِّها3 وغير ذلك. فأقاموا على ذلك باقي أيامه، وأيام ابنه الملقب بالعزيز، وأيام يحيى، إلى أن ملك البلاد أبو محمد عبد المؤمن -رحمه الله-، فأزال ذلك من أيديهم، وصيرهم جندًا له، وأقطع رؤساءهم بعض تلك البلاد.
فكتب إليهم رسالة يستنفرهم إلى الغزو بجزيرة الأندلس، وأمر أن تُكتب في آخرها أبيات قالها -رحمه الله- في ذلك المعني، وهي: من الطويل
أقيموا إلى العلياء هُوج الرَّواحل ... وقودوا إلى الهيجاء جُرْد الصواهلِ4
وقوموا لنصر الدين قَوْمة ثائرٍ ... وشُدوا على الأعداء شدة صائلِ5
فما العز إلا ظهر أجردَ سابحٍ ... يفوت الصَّبا في شده المتواصلِ6
وأبيض مأثور كأن فِرِنْده ... على الماء منسوج, وليس بسائلِ7
بني العم من عُليا هلال بن عامر ... وما جمعت من باسلٍ وابن باسلِ8
تعالوا فقد شُدت إلى الغزو نيةٌ ... عواقبها منصورة بالأوائلِ
هي الغزوة الغراء والموعد الذي ... تَنَجَّزَ من بعد المدى المتطاولِ
بها تُفتح الدنيا، بها تُبلغ المُنَى ... بها يُنصف التحقيق من كل باطلِ
أهبنا بكم للخير, والله حسبُنا ... وحسبكمو, والله أعدل عادلِ
فما همنا إلا صلاح جميعكم ... وتسريحكم في ظل أخضرَ هاطلِ