وتسويغكم نُعمَى ترف ظلالها ... عليكم بخير عاجل غير آجلِ1

فلا تتوانوْا فالبِدَار غنيمة ... وللمدلج الساري صفاء المناهلِ2

فاستجاب له منهم جمع ضخم؛ فلما أراد الانفصال عن الجزيرة رتبهم فيها، فجعل بعضهم في نواحي قرطبة، وبعضهم في نواحي إشبيلية مما يلي مدينة شَرِيش وأعمالها؛ فهم بها باقون إلى وقتنا هذا -وهو سنة 621-, وقد انتشر من نسلهم بتلك المواضع خلق كثير. وزاد فيهم أبو يعقوب، وأبو يوسف، حتى كثروا هناك؛ فبالجزيرة اليوم من العرب من زُغبة وريح وجشم بن بكر وغيرهم نحو من خمسة آلاف فارس سوى الرَّجَّالة.

وكان عبور عبد المؤمن -رحمه الله- إلى الجزيرة ونزوله بجبل الفتح في سنة 538، ثم كر -كما ذكرنا- راجعًا إلى مراكش؛ فأخبرني غير واحد ممن أرضى نقلَهُ، أنه لما نزل مدينة سلا -وهي مدينة على البحر الأعظم المحيط، ينصب إليها نهر عظيم يصب في البحر المذكور- عبر النهر، وضُربت له خيمة على الشاطئ؛ وجعلت العساكر تعبر قبيلة بعد قبيلة؛ فلما نظر إلى كثرة العدد وانتشار العالم، خر ساجدًا، ثم رفع رأسه وقد بل الدمع لحيته؛ والتفت إلى من عنده وقال: أعرف ثلاثة أشخاص وردوا هذه المدينة لا شيء لهم إلا رغيف واحد، فراموا عبور هذا النهر، فأتوا صاحب القارب وبذلوا له الرغيف على أن يعبروا ثلاثتهم فقال: لا آخذه إلا على اثنين خاصة؛ فقال لهم أحدهم -وكان شابًّا جلدًا-: خذا ثيابي معكما وأعبر أنا سباحةً! فأخذا ثيابه معهما، وصعدا في القارب؛ فجعل الشاب يسبح، فكلما أعيا دنا من القارب ووضع يديه عليه ليستريح، فضربه صاحبه بالمجداف الذي معه حتى يؤلمه؛ فما بلغ البر إلا بعد جهدٍ شديدٍ!.

فما شك السامعون للحكاية أنه العابر سباحة، وأن الاثنين المذكورين هما ابن تومرت, وعبد الواحد الشرقي.

ثم سار حتى أتى مراكش، فنزلها، وأخذ في البناء والغِراسة3 وترتيب القصور، غير مخلٍّ بشيء مما تحتاج إليه المملكة من السياسة وتدبير الأمور وبسط العدل والتحبب إلى الرعية وإخافة من تجب إخافته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015